عندما أقام القائد الفاتح عقبة بن نافع القيروان كان يدرك البعد الاستراتيجي الذي ستلعبه هذه المدينة في نشر الدعوة الإسلامية في «إفريقية».. وهو المصطلح المفضل لوصف هذا الجزء من العالم من قِبل أجدادنا الفاتحين.
كان ابن نافع، الذي يمت بصلة قرابة بداهية العرب عمرو بن العاص، يدرك جيداً أن الإسلام لن تكون له قائمة إذا لم تكن للمسلمين «الجدد» مدينة يهتدون إليها؛ وذلك لنشر تعاليم الدين النيرة، وتثبيت إسلامهم.
فمن القيروان تم فتح القرن الشمالي لإفريقية.. ومن القيروان سيّر موسى بن نصير طارق بن زياد لفتح الأندلس. ولو لم يصل الفتح الإسلامي للقيروان لم نكن سنرى دولة المرابطين وقائدها يوسف بن تاشفين، الذي واجه الفرنجة في الأندلس خلال ذلك العصر الغابر.
بالأمس القريب وافق البرلمان التونسي على قانون الصكوك الإسلامية بعد أن وقف وزير المالية الشجاع وهو يتحدث أمام أعضاء البرلمان عن الفوائد التي ستجنيها بلاده من إصدار السندات الإسلامية، وكشف أيضاً عن الدعم الذي تجده وستجده تونس من بنك التنمية الإسلامي في هذا الصدد.
فقد نجح إلياس الفخفاخ، الوزير الذي ستذكره بلاده لفترة طويلة، في إقناع النواب بمختلف أطيافهم السياسية بتبني أدوات التمويل الإسلامية. وكانت المفاجأة تتمحور بالتصويت بالأغلبية على القرار التاريخي للدولة نفسها، وصناعة المال الإسلامية بشكل عام.
حتى بعض وكالات الإعلام الأجنبية لم تقف في صالح المالية الإسلامية بتونس، وذلك عندما بدؤوا في الترويج بأن الدولة العربية ستؤجل إصدارها من السندات الإسلامية إلى السنة القادمة؛ إذ خرجت وكالة رويترز في تقرير إخباري بتاريخ 19 يونيو تقول فيه نقلاً عن مصادرها بالبنك المركزي ووزارة المالية إنه «سيكون من غير الممكن إصدار هذه الصكوك قبل العام المقبل بسبب تعثر تشريعي».
وكشف الخبر الذي نقلته وكالة الأنباء الغربية، والذي أقتبس منه، أن النسخة الأخيرة من الدستور (يقصد الخاص بالصكوك): «لا تزال تثير جدلاً واسعاً بين المعارضة العلمانية وحكام تونس الإسلاميين؛ ما قد يسبب مزيداً من ضياع الوقت للمصادقة على قوانين مالية».
نعم! فقد نجح الوزير المالي المفوه وفريقه الذي يعمل بصمت في جمع ما يصل إلى 102 صوت من بين 118؛ ما يعني أن الأطياف السياسية كافة قد توحدت كلمتها حول اعتماد أدوات التمويل الإسلامي للمرة الأولى في تاريخها الحديث. نعم! فقد نجحت تونس في الرد على من شكك بها، وتوحدت الكلمة والغاية نحو الصكوك، بدلاً من السندات التقليدية.
وإننا في الخليج لنتطلع لإخواننا في تونس بأن يصبحوا أول دولة إفريقية تصدر الصكوك؛ لتمهد بذلك تونس الطريق لأشقائها في الشمال الإفريقي لتبني هذه الأدوات الإسلامية كما كانت عليه القيروان في القِدم عندما كانت نبراس الدعوة الأوحد في بداية عهد الفتوحات الإسلامية. لقد كنت أشعر بالغبطة وأنا أسمع عبر الأثير ذلك القرار التاريخي الذي صادق عليه البرلمان التونسي. وفي اللحظة التي كنت أرى فيها تعابير السعادة في وجه زملائي التوانسة كنت في الوقت نفسه أحُدث نفسي عن الوقت الذي ستتبنى فيه بلادي معايرها الخاصة بالصكوك!
mkhnifer1@gmail.com*مراقب ومدقق شرعي معتمد من (AAOIFI) ومتخصص في هيكلة الصكوك وخبير مالية إسلامية لمجموعة «ادكوم آكادمي» المصرفية في الولايات المتحدة الأمريكية.