لم أر قط وصفا لمن مر بهم الموت، وحلّ عليهم ضيفا، كوصف -الشاعر- أبي العتاهية، حين قال:
وما الموت إلا رحلة، غير أنها
من المنزل الفاني إلى المنزل الباقي
فهو يصف المشهد المألوف، والمتكرر، باعتباره أكثر المشاهد الإنسانية حضوراً، وتواتراً في حياتنا، وأكثر طواعية، وانسياقاً للحالة القدرية.
بين جنبات الألم، كان عمر «نوره بنت عبد الله الدهامي» ينقضي، ونهايتها تدنو، وهي تقطع المسافات بمرور الزمن من الرياض إلى نيويورك؛ طلبا للعلاج. فكلما مرت دقيقة من عمرها، اتجهت بطريقة تصاعدية نحو الموت، وكأن رحلة حياتها ماضية في كل لحظة إلى الأمام؛ ليُكتب لها شهادة الوفاة، وتنتقل إلى الطرف الآخر من الوجود.
قلت لزوجها: لعل الكفن كان عند القصار يُنسج، ولعل ملك الموت كان واقفا عند رأسها، يستأذن ربه في قبض روحها، حين انتهت مسافات رحلتها، والتي قدرت بالزمن، فدخلت في ابتلاء الله، وامتحانه ؛ لتخوض تجربة مرضية رغم مرارتها، وما تسبب به في النفس من أسى، وخوف.
على ارتخاء عمرها، وامتداد مداها، لم تعرف روحها الطاهرة الحقد، والحسد، ولا الغيبة، والنميمة، بل عرفت طاعة والديها، وحقوق زوجها، وأولادها، وأرحامها. فكانت مقبلة على الدار الآخرة، بعد أن تركت الدنيا، وما فيها ؛ لتستمسك بدينها، عاقدة عليها بكلتا يديها.
سيشكل الموت هاجسا مختلفا في الكائن الإنساني منفردا، وسيبقى في نهاية المطاف قدرا محتوما، وسيظل الأسى أطول من الليل، إلا أن السماء ستبكيك يا أم نواف، وستحن الأرض إلى مواقع سجودك، كونك رحلت بهدوء، وغادرت خلف جدران الصمت. ومع كل هذا، سيبقى من حولك يستحضرون الصور التي ربطتهم معك في هذه الحياة الدنيا؛ لتبقى الذكريات حاضرة، حتى لو أطالوا النظر في مراسم دفنك، وسدلوا عليك الستار، وألقوا على جسدك التراب.
اللهم يا من غيبت جسدها تحت التراب، بعد أن عرجت الملائكة بروحها إلى السماء، ولا يعلم بحالها إلا الذي يعلم السر، وأخفى، وانقطع الرجاء عن التلاق، وحصل الفراق الذي ليس يشبهه فراق. نسألك اللهم: أن تؤنس غربتها في قبرها، وأن تفتح لها بابا إلى الجنة، وأن تجعل عملها الصالح خير جليس لها يرافقها، وأن تغفر ذنبها، وأن يسبغ على زوجها، وأهلها، وذويها الصبر، والسلوان.
drsasq@gmail.comباحث في السياسة الشرعية