ليت هذا عنوان رواية بوليسية من روايات الكاتبة المشهورة أجاثا كريستي. لكنه مع الأسف عنوان يرمز لوقائع حقيقية تحدث في وقتنا هذا وفي مجتمعنا هذا. حوادث متفرقة هنا وهناك في مناطق مختلفة بالمملكة يتم فيها ارتكاب أبشع الجرائم
من ذبح وطعن وحرق لأطفال صغار. وأين يحدث هذا؟ فى بيوت الضحايا، ومن عاملات في هذه البيوت سلمت لهن مسؤولية العناية بالمنزل وبهؤلاء الأطفال. الألم والحزن والهلع الذي تخلفه هذه الحوادث لا يصيب أهالي الضحايا وأقاربهم وأصدقاءهم فقط، بل لا يملك كل من يصل إلى علمه خبر هذه الحوادث إلا أن يشعر بمثل ما يشعر به هؤلاء، وفوقه الغضب مما يحدث ؛ وربما يساور البعض خوف من أن تكون أسرته هي الضحية التالية. ولا يملك أيضا - مع الحزن العميق- إلا أن يطرح السؤال تلو السؤال:
هل لجنسية العاملة دور فى ذلك؟
فى هذا السياق اطلعت -كما اطلع غيري- على رسالة إحدى المواطنات المبثوثة عبر (الواتس أب) تنضح بالانفعال الصادق وتطلب فيها منع الاستقدام من أثيوبيا، بعد أن حصلت في الأشهر الأخيرة ثلاث جرائم قتل للأطفال من عاملات أثيوبيات (ورابعة قبل بضعة أيام)، وهي معذورة في انفعالها، وقد تم بالفعل منع الاستقدام من أثيوبيا مؤقتا. لكن ذلك يجب أن لا ينسينا أن حوادث مماثلة - وإن كان بعدد أقل - قد حصلت من جنسيات أخرى؛ وإن توالت الحوادث من عاملات أثيوبيات في زمن قصير نسبيا قد يرجع إلى كثرة أعدادهن وتكالبنا على استقدامهن عشوائيا على إثر تعذر الاستقدام من إندونيسيا والفلبين. وبهذا انفسح المجال لقدوم عاملات صغيرات السن وربما يكون بعضهن مرغمات على الرحيل وبعضهن من بيئة ثقافية بدائية، مما يجعلهن أكثر من غيرهن عرضة لصدمة الغربة ومن ثم ظهور الاضطرابات النفسية (كما ورد في صحيفة الرياض 10-9-1434هـ فإن مركز رعاية شؤون العاملات بالرياض استضاف في الشهرين الأخيرين مائتي عاملة أثيوبية لرفضهن العمل وإصابتهن بأمراض نفسية ). ومن الأسئلة التي ينبغي طرحها بجدية بصرف النظر عن الجنسية: ما مدى تأثير شعور العاملة بالعزلة والوحدة الذي ينتج عن ضيق الطوق الاجتماعي حولها، حين لا تجد متنفسا ترجع إليه مثل القريبة أو الصديقة أو كفيل من قومها - لا سيما عندما يصاحب الشعور بالعزلة شعور بالقهر في حالة المعاملة السيئة أو المهينة. ومثل ذلك الشعور بالإرهاق والنفور عندما تلقي العائلة بحمل العناية بالأطفال وملازمتهم على العاملة وهي غير مهيئة لذلك أصلا، ولا ترى فيه إلا حملا ثقيلا يضاف إلى العمل الذي قدمت من أجله وأنه يفرض عليها أن تقوم بدور الأم البديلة لأطفال ليسوا أولادها أو إخوانها - أي أم بلا عاطفة. لكن هذه العوامل مجتمعة لا يمكن أن تكون هي الأصل في الدافع إلى ارتكاب الجريمة، وإلا لوقعت أعداد من الجرائم أكبر من ذلك بكثير. ويتبين من أقوال والد الطفلة السورية التي قتلتها عاملة أثيوبية أن العلاقة طيبة معها وكانت تأكل وتخرج معهم والطفلة كانت تحبها. لكن الذي يتكرر في هذه الحوادث هو انفراد العاملة بالطفل خلال غياب الأهل أو نومها مع الطفل وأيضا صغر سن العاملة. فهل مثل هذا الظرف يثير اضطرابا عقليا كامنا ناتجا عن انفصام الشخصية أو عن إيحاءات توحي بها معتقدات خرافية؟ على أي حال مهما كانت الأسباب فإنها لا تبرر تلك الجرائم البشعة ولا تهب الحزن أو تخفف المصيبة، فإنه عندما (تقع الفاس في الراس) تتوارى الأسباب ولا يبقى إلا دموع الثكالى. لكن دراسة الأسباب دراسة علمية تسهم في وضع الحلول الوقائية. وقد أحسنت وزارة العمل صنعا بأن أصدرت مؤخرا (لائحة عمال الخدمة المنزلية ومن في حكمهم) التي تنظم العلاقة بين صاحب العمل والعامل وتوضح حقوق والتزامات طرفي العلاقة، فعالجت بذلك المشكلات الحقوقية والمالية للعمالة والتزاماتها تجاه صاحب العمل وأسرته. وفي ظني أن هذه اللائحة - على الرغم من أهميتها، وأنها أسست لنظرة جديدة إلى العمالة المنزلية باعتبارهم عمالا لهم حقوق محفوظه تراعي حاجاتهم الإنسانية- فهي لا تكفي لتوفير الجو الإنساني داخل المنزل الذي يسهم في امتصاص صدمة الغربة. وهذا في الواقع هو دور العائلة. فالمتوقع من العائلة أن تبعد عن العاملة الشعور بالعزلة فتهيئ لها القدر المعقول من الاتصال بالعالم الخارجي من خلال التلفزيون في غرفتها، والسماح لها بالمكالمات الداخلية مع قريبة أو صديقة لها في نفس المدينة، وبالخروج لشراء ما تحتاجه من السوق مع رفقة معروفة، واصطحابها أحيانا عند زيارة أسر لديها عاملات - لا سيما من نفس الجنسية، وأن تراعي رغبتها في الطعام.
عندما تكون هناك ضرورة للاستقدام يجب التفيد بشروط ومواصفات واضحة، منها على الأخص:
- تحديد حد أدنى للسن موثق رسميا (25 سنة مثلا)
- تحديد حد أدنى من التعليم (الابتدائية مثلا)
- تعريف نوع العمل الذي ستقوم به - وإذا كان من ضمنه رعاية الأطفال يلزم التأكد من تأهيل العاملة لذلك
- تزويد العاملة بالمعلومات الأساسية عن العائلة التي ستعمل عندها
- تعريف العاملات الجدد قبل سفرهن بالحياة الاجتماعية - وخاصة العائلية- في المملكة
- إن كان ممكنا ومجديا إجراء مقابلة مع أخصائي نفسي أو اجتماعي للتأكد من صلاحية العاملة
حلول تنظيمية:
مع أنه لا أحد ينكر أن الحل الجذري يتمثل فى الاستغناء نهائيا عن خدم المنازل، إلا أنه لا يمكن تطبيقه ما دامت البيوت كبيرة، والشراهة الاستهلاكية عادة يومية، والأمهات يذهبن للعمل. وأمام هذا التحدي لابد من بدائل تقلل الاعتماد على الخدم، ومنها:
- التوسع فى إنشاء رياض أطفال - أهليه أو حكومية- قريبا من السكن أو من مكان العمل؛ وهذا أيضا يحل شيئا من مشكلة البطالة النسائية. على أن هذا ليس حلا سحريا لحماية الأطفال، لأن الأذى قد يلحق بهم فى غير أوقات عمل الأم
- تشجيع فرص عمل الأم في منزلها، إذا كانت طبيعة العمل تسمح بذلك والأم راغبة فيه
- دعم وتنظيم التوجه للخدمات الوقتية المستأجرة للقيام بأعمال النظافة والمساعدة المنزلية عن طريق شركات ومؤسسات مرخصة وموثوق بها. وهذا النوع من الخدمة عملي جدا - خاصة لساكني البيوت المتوسطة والشقق
- إنشاء مراكز خدمة اجتماعية في الأحياء السكنية (وقد تكون هي مراكز الأحياء التي كثر الحديث عنها) فيها أخصائيون أو أخصائيات اجتماع يقومون بزيارة المنازل من وقت لآخر ويتلقون الشكاوى أو الملاحظات من العاملات أو العوائل. مثل هذه الخدمة تدخل الطمأنينة على الطرفين حين يشعر كل منهما بوجود مرجعية يلجأ إليها للمشورة أو المساعدة. ومن المفيد إرسال صورة من جواز وتأشيرة العامله أوتوماتيكيا عند دخولها للمملكة إلى مركز الخدمة الاجتماعية الموجود في الحي الذي يسكن فيه صاحب العمل. إن المركز يمكن أن يسهم في توعية العائلة من حيث حدود ونمط العلاقة بين العاملة وأطفال الأسرة، ومن حيث ملاحظة المؤشرات الدالة على ميل العاملة للعنف والعصبية أو للانطوائية.
الحلول والنصائح -كما يقول الذين كتبوا عن هذا الموضوع- كثيرة. ولكن إذا أحيط بجميع الأسباب صار من السهل اختيار الحلول الأنسب ذات البعد الإستراتيجي القابلة للتطبيق.