قام فريق عمل ألماني بزيارة إلى الرياض خلالها تم استضافته إلى أحد مطاعم المندي الشهيرة، وكان جل الحديث أثناء تناول وجبة العشاء عن العادات والتقاليد في السعودية، وتحدث أحدهم عن بناته المراهقات الثلاث في ميونخ
واستخدامهن للمواصلات العامة في الذهاب إلى المدارس ومدى التعاون بينه وزوجته في توصيلهن لتأمين مختلف احتياجاتهن، وساق اعتذاره المسبق بجهله عن حياة المرأة السعودية قبل أن يتساءل عن كيفية ذهاب الطالبة إلى مدرستها أو جامعتها؟ وذهاب المرأة إلى عملها؟ وكيف تقضى حاجاتها من السوق في غياب المواصلات العامة ومنعها من قيادة السيارة .. وهى أسئلة انبرى للإجابة عليها زميلي وشريكي في الاستضافة، فقد كان أوسع مني علماً، فأخذ يسرد لهم الاجتهاد الشرعي الذي ينتهي بعدم تشجيع المرأة لقيادة السيارة، وأنّ الدين الإسلامي دين تكافل ودين قوامة الرجل المحرم على المرأة والمسؤول عن قضاء حاجاتها، سواء بتأمينها أو نقلها بالسيارة ومرافقتها إلى السوق، كما يوجد هناك أوتوبيسات للطالبات لنقلهن من وإلى المدرسة أو الجامعة، ولا يوجد نقل للمعلمات ولكن يمكنهن تكوين جمعيه واستئجار وسيلة مواصلات، شريطة أن يكون السائق متزوجاً وتصاحبه زوجته خلال الرحلة .. تساءل أحد أعضاء الفريق عما إذا كان نظام المواصلات المعمول به حالياً في المملكة سيستمر كما هو أم سيتطوّر؟ فأجاب زميلي المتكلم بحماس بل إنه سيتطور، فسأله الخبير الألماني إلى ماذا يمكن أن يتطور؟ لم يجد زميلي المتكلم الجواب العلمي فأخذ يكرّس حرمة الاختلاط حتى يسنح له الخروج الآمن من مأزق السؤال.. بعد العشاء قمت بتوصيل الفريق الأجنبي إلى مقر سكنهم ومن ثم زميلي إلى منزله، وقبل نزوله قال لي إنه كان يشم رائحة العداء للإسلام في أسئلة ذلك الخبير الألماني.. لقد تجاهل زميلي المتكلم في إجاباته عن أهم ملامح أسلوب المواصلات السائد للبيوت السعودية الذي يتمثل في حرص المواطن على تواجد سكن للسائق الأجنبي في نفس المنزل لتوصيل أفراد الأسرة من النساء، فملحق السائق يكاد يكون موجوداً في كل منزل سواء كان قديماً أو جديداً لمن هو مقتدر، ولكن بعض الأسر السعودية والوافدة لا يوجد لديها سكن سائق وعلى الرجل أن يجمع بين الانضباط في وقت العمل وبين توصيل عائلته..
الخلاصة
أحياناً أو غالباً، تصرفاتنا على الواقع تخالف ما ندعيه ونردده على مسامع الآخرين، يمكن اكتشاف ذلك بسهوله عندما تتأمل مدى انسجام تصرفاتنا العملية على الواقع مع الشعارات وأقوالنا اللفظية، عندها سيدرك البعض منا أننا نخادع أنفسنا. أفعالنا هي التي ترسم الصورة التي يرانا عليها العالم.. خداع النفس هو تلك الطريقة التي نتبعها لتضليل أنفسنا بغرض قبول ما هو مثالي بعيد المنال أو زائف أو غير موجود على أنه حقيقي.. للخروج من دوامة خداع النفس يلزم تحديد تاريخ في عمق المستقبل (ديد لاين) وليكن بعد شهور أو سنوات، وبحلول الموعد المعلن يتم إقرار قيادة المرأة للسيارة، عندها ستكون المدة حتى حلول ذلك التاريخ كافية لمن يحتاج أن يدرك أن ممانعة المرأة لقيادة السيارة لم تقدم حلاً حتى الآن، بل إنّ مشكله المواصلات لمختلف طبقات المجتمع تتفاقم مع مرور الوقت، ومن خداع النفس بذل أسباب الاجتهاد للتمسك بتلابيب موقف لا يقدم حلاً لمشكلة متفاقمة، فربما الاجتهاد الخاطئ سبب تفاقمها..
khalid.alheji@gmail.comTwitter@khalialheji