راشد بن محمد الحمدان الكاتب والأديب، عرفته بحكم قرابته لأمي -حفظها الله- فهو ابن عمها وعمها من الرضاعة وصديق لوالدي -رحمهما الله- لن أتحدَّث عن ثقافة هذا العلم وعن فكره ولكن عمَّا كان يشدُّني لكلامه وسواليفه وأنا في سنِّ أبنائه، فحين كان راشد الحمدان في الزَّمن الجميل، زمن اليتم والفقر، زمن القسوة والغربة، زمن الاعتداد برجولة ابن الثانية عشرة، كنت أطرب في أول مراحل فتوتي وشبابي لسماع بعض حكاياه وسواليفه عن نشأته في بيت جده وعن سفره من المجمعة إلى الرياض، ومنها في رحلة مع قافلة على نفقة الملك سعود -رحمه الله- إلى الحجاز أوائل عهده عام 1373هـ، وهو ابن الثانية عشرة دون علم أحد من أهله، إن جاز أن نقول: إن لهذا اليتيم من يرعاه ويتفقد حاله، يتحدَّث في القافلة عن رجل خير لاحظه يرتجف بردًا فرمى له بسجادة (زل) فيلتحف بها، يصل إلى مكَّة في رحلة إلى عالم مجهول غامر فيه بطموحه الفتي، وينتقل إلى الطائف ليتوجه إلى مقصده الأساس دار التوحيد يقول: جئت إلى دار التوحيد ما أعرف فيها أحد وفجأة أمسك بكتفي عمي جدك إبراهيم (بن سليمان الحمدان وكان موظّفًا بسيطًا في الدار) وقال: راشد متى الوصول ووش جايبك ومن جاي معه ولمَّا رأيته أحسست بالطمأنينة، وأخذني معه لبيته في حي قروى، وجابت جدتك أم عبد الله تميرات (تصغير تمر) ولبن وكلت بشراهة فقال: جدك أرفق بينكبون (يغرفون) الغدا قلت: والله يا عم لي يومين ما كلت، وعشت في بيت عمي إبراهيم في المجلس مدة الدراسة، هاك الحين المجلس له بابان باب على البيت وباب على السُّوق -الشارع- وأنا أدرس سمعت بعض زملائي يطرون (يذكرون) برحة القزاز، وسألت عنها، طلعت مكان يجتمع فيه اللي يكتبون الخطوط (الرسائل) والمعاريض، ورحت بعد العصر لبرحة القزاز ووفق الله وصرت مع اللي يكتبون واحصل في اليوم ربع ريال. فابتسمت فقال: الربع على وقتنا كان يحكي (أي له قيمة) يعيني مع خرجية الدَّار (المكافأة)، ثمَّ نبهني أن الكاتب وقتها كان من أهم شروطه الأمانة على أسرار الناس، وأن البعْض كان يعمد إلى كاتب لا يعرفه ولا يسكن حارته خصوصًا في الأمور العائلية.
يقول: وبعد أن صار معي (مبلغ محترم) يمكني من شراء الكتب ومع مروري على المكتبات سنحت لي فرصة العمل في مكتبة -ولا أذكر هل ذكر لي اسم المكتبة ونسيته أم لم يذكره - وهذا العمل مكنه من قراءة أسفار لم يكن يقوى على اقتنائها في ذلك الزمان، ومما أشاد به أن أصحاب المكتبات في ذلك الوقت كانوا يتسامحون مع طلاب دار التوحيد في أسعار المستلزمات الدراسية ومكث في الطائف خمس سنين هي مدة الدِّراسة ومنها نزل عام 1378هـ إلى رحاب البيت العتيق طالبًا في كلية الشريعة وقت أن كانت بجوار الحرم، وبعد أربع سنين عاد من حيث أتى إلى الرياض عام 1382هـ فعين مدرسًا في معهد الأنجال وبعد عامين انتقل منه إلى وزارة الزراعة، ومنها إلى الرئاسة العامَّة لرعاية الشباب منتصف التسعينات الهجرية حتَّى عين فيها رئيسًا لإدارة الأندية الأدبيَّة وبعد ما يقارب الخمسة وعشرين عامًا في العمل الحكومي طلب الإحالة للتقاعد للتفرغ لأعماله الخاصَّة، ومما يذكره الكتاب أنَّه من أوائل من كتب في الصحافة السعوديَّة في ثوبها المؤسساتي الذي يمتدّ لما يقارب النصف قرن وكان وقتها في سنِّ الثلاثين، كما امتع القراء بأسلوبه الساخر في مقالته الموسومة بـ (شماريخ) و(من السحارة) وأثنى على شعره العديد من الأدباء، وقد تزوج الفقيد عام 1386هـ من كريمة الشيخ المُربِّي عبد الله بن مساعد الغريبي أحد رواد التَّعليم الأوائل في عهد الملك عبد العزيز ورزق منها بخمس بنين وثلاث بنات وله منهم أحفاد، واختار الفقيد في أواخر سنيه الإقامة في مسقط رأسه محافظة المجمعة حيث يرتاد إلى استراحته محبوه من أصدقاء الصبا.
وآخر المقال:
لعل ما يذكر ويشكر هو شمول الفقيد أثناء مرضه بالرِّعاية الكريمة من سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع -حفظه الله- كما كان لزيارة عدد من أصحاب السمو الملكي الأمراء للفقيد إبان تلقيه العلاج في المستشفى العسكري بالغ السُّرُور له ولعائلته، ولا أنسى مشاعر الأدباء التي فاضت لفقده شعرًا ونثرًا، وما زالت ألسن محبيه من أصدقائه وأقاربه تلهج له بالدُّعاء اللَّهمَّ أجمعنا به في دار الجنَّان وألهمنا الصَّبر والسلوان.
- وكيل دائرة التحقيق والادعاء العام بمحافظة ثادق