الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملاً وهو الحي الذي لا يموت سبحانه، فنعلم جميعاً أن الموت حق وأن البقاء لله وحده وجل جلاله وأن كل نفس ذائقة الموت قال الله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} ففي أول يوم من أيام هذا الشهر الفضيل وفي أول أيام عشر الرحمة فيه بلغني خبر وفاة جاري الحبيب الأستاذ الأديب راشد بن محمد الحمدان تغمده الله بواسع رحمته ورضوانه، وجعل قبره روضة من رياض الجنة، وأورث أولاده وبناته الصلاح والاستقامة، وجبر مصيبتنا ومصيبتهم فيه وألهمنا جميعاً الصبر والسلوان وجميع المسلمين، فضاق صدري وحزن عليه قلبي ولكن ما سبقنا إلا بيومه الموعود ولا نقول ازاء ذلك إلا بما يرضي ربنا عز وجل {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
رحل أبو محمد في أول أيام شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار بعد معاناة مع المرض أسأل الله العظيم أن تستقبله ملائكة الرحمة وأن يجعل ما أصابه مكفراً لخطيئاته ورفع في درجاته اللهم آمين وصلى الله على محمد، فجاري أكن له كل المودة والتقدير والاحترام، فقد جاورته بالسكن في حي المعذر الشمالي بالرياض مدة قاربت خمسة عشر عاماً كان فيها نعم الجار والأخ والمعلم، فلم اشعر منه أو من أهل بيته في يوم من الأيام بمضايقة أو ازعاج بل كانت معاملة بحسن الجوار والإكرام والاحترام لي خاصة بحكم (الجار بالجنب) ولجميع جيرانه الذين يكنون له كل المودة والتقدير، حيث كانت ابتسامته ومداعباته المرحة معنا الصغير والكبير وخاصة مع صديقه الأخ سعود بن فهد الخيال وابن عمي أخي الشيخ عبد المحسن بن محمد آل الشيخ وآل المهنا والشيخ مشاري العنقري وبقية الجيران الآخرين، حيث كان يدخل علينا البهجة والسرور في مجالسنا فكان طيب المعشر حسن الخلق لطيف المعاملة لين الجانب متواضع كريم بشوش ليس بالمتعصب أو الأحمق ولا بسيىء الخلق حليم متسامح مع جيرانه رجل مستقيم في دينه وسيرته محب للخير وباذل للمعروف أعطاه الله قلباً محباً للناس فأحبوه ولا أزكيه على الله أرجو الله أن يثقل بحسن أخلاقه موازين أعماله الصالحة.
فعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أثقل شيء يوضع في ميزان العبد يوم القيامة خلق حسن، وإن الله يبغض الفاحش البذيء) رواه الترمذي. كان تغمده الله بواسع رحمته ورضوانه معلمي وموجهي في اعداد خطبي لصلاة الجمعة عندما احتاج إليه عندما أقوم بالإمامة والخطابة في جامع حينا بالمعذر الشمالي جامع والدة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز الأميرة حصة بنت أحمد السديري غفر الله لهم عندما ينيبني امام المسجد الشيخ مزيد بن محمد المزيد شفاه الله وعافاه وامد في عمره على طاعته، فكنت آتي إلى الأستاذ راشد صباح كل جمعة واجلس معه واقرأ عليه موضوع خطبتي طمعاً في ملاحظاته السديدة، فكان نعم الموجه في اعداد الخطبة وأسلوبها وتصحيح سلامة لغتها العربية بل حتى في القائي لها ومخارج حروفها ونطق كلماتها، وكان رحمه الله يتحمل كثرة ترددي عليه برحابة صدر ليس فيه أي تضجر أو ملل، وقد استفدت من نقده الهادف وتوجيهاته القويمة لأسلوبي في اعداد الخطب ومواضيعها استفادة عظيمة، حيث كان لا يبخل علي بنصحه ولم يكتم عني علماً علمه في القرآن الكريم أو الحديث الشريف، فلقد أكرمني الله بمجورتي له جزاه الله عني خير الجزاء وقد افتقدته مع كل أسف بعد انتقال كلينا من ذلك الحي الجميل وانشغال كل منا بظروف الحياة التي لا تخفى فتباعدت مساكننا وهذه سنة الحياة تجمع وتفرق، ولكن ويعلم الله أن قلوبنا متآلفة وقريبة من بعضها ومحبتنا متبادلة وعلاقاتنا حميمية امتدت إلى زوجاتنا وأبنائنا بفضل الله.
والأستاذ راشد غفر الله له معلم ومرب خسره التعليم والشباب بل حتى الصحافة فقدت أحد كتابها النبلاء الذين اثروا الساحة الأدبية بأقلامهم الهادفة، رحل ولكن ذكراه العطرة ستظل في نفوسنا وقلوبنا عامرة وألسننا تدعو له بالمغفرة وأن يجمعنا الله واياه في الفردوس الأعلى من الجنة ويجعلنا وإياه من جيران محمد صلى الله عليه وسلم وجميع المسلمين انه سميع مجيب.
وها هو وقد جف قلمه وطويت صفحات كلماته رغم توقفه عن الكتابة بعد دخوله مرحلة المرض وتعرضه لجلطة دماغية على مدى العامين الماضيين ولم يبق سوى حروفه التي نثرها عبر سنوات حافلة بأعطر المقالات العذبة والجميلة والنافعة، فإن عزائي ان شاء الله أن أبناء الفقيد سيجمعون شتات تراثه الخالد ويجمعون شماريخه وما كان يخرجه من سحارته وما تفرق من اشعاره ويعيدون جمعها وطباعتها ليستفيد منها أدبنا العربي والسعودي وشبابنا على وجه الخصوص، وكم أتمنى من وزارة الثقافة والاعلام ممثلة في الأندية الأديبة والرئاسة العامة لرعاية الشباب التي كان آخر أعماله بين مكاتبها أن تتبنى ذلك وتعيد جمع تراثه الجميل وطباعته على نفقتهما خاصة وانه كان في اواخر أيامه رحمه الله ينوي اعادة طباعة وجمع مؤلفاته (خراف الأيام وشماريخ وأنماط فكرية ومجموعة قصص وغيرها مما كان يكتب في الصحف والمجلات المحلية من خواطر ومقالات) وأن تنشىء وزارة الثقافة والاعلام أو الرئاسة العامة لرعاية الشباب أو جامعة المجمعة مدينته التي عشقها أو معهد العاصمة النموذجي الذي عمل فيه مدرساً سنوات طويلة أن ينشئوا مركزاً ثقافياً أو صالة أدبية أو رياضية تحمل اسمه الكريم سواء في الرياض أو في مسقط رأسه محافظة المجمعة تليق بذلك الأديب الكبير والمربي الفاضل الأستاذ راشد بن محمد الحمدان؛ وذلك لتعرف الأجيال شيئاً عن رائد من رواد الحركة الأدبية والرياضية والتعليمية في بلادنا الغالية الوفية لأبنائها وليبقى سجله خالداً في الذاكرة وتكريماً له رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
وختاماً أقدم تعازي الحارة إلى أخيه الشيخ صالح وأبنائه الأعزاء محمد وعبد العزيز وسعود وعبد الله وخالد واخواتهم أمل وهيفاء ومشاعل ووالدتهم العزيزة أم محمد وأحفاده وإلى كل أسرة الحمدان في الرياض والمجمعة، وإلى كل محبي راشد وجيرانه في حي المعذر الشمالي وفي حي الغدير، فأحسن الله عزاءكم وجبر مصيبتكم وغفر لميتكم وجمعنا به وإياكم في عليين، وإنا لله وإنا إليه راجعون، والحمدلله الذي لا يحمد على مكروه سواه.