* العنوان قبسٌ من حديث شريف، أوصى به أشرف الخلق بكفالة (اليتيم). ولعل من دوافع الإعجاب والتقدير أن يكون ذلك العنوان مشروع برنامج اجتماعي تربوي نهضت به إحدى مؤسسات التعليم (بنات). لم أستغرب تلك الخطوة، أو المبادرة المباركة من مجتمع متكاتف، متراحم فيما بينه، متآزر في الشدة. لم تكن المناسبة هي المثيرة في حد ذاتها، بل المثير بما سيتم الإيماء إليه، وكيف سارت وقائع الحفل؟
* كما روت إحدى الحاضرات من المشاركات الفاعلات في هذه المناسبة التي كان من ضمن عملها استضافة مجموعة من الأطفال الأيتام، أو من في حكمهم من جمعية (إنسان). هذه الجمعية الخيرية الاجتماعية الوليدة، ذات الطابع الإنساني، التي تستحق بالفعل الدعم والإشادة بمنجزاتها، والاعتراف بالفضل لمن تبناها حتى أمسى لها في كل منطقة ومحافظة صرحا من الصروح.
* ولدت فكرة الاستضافة من الطالبات، وباركتها، بل وقادتها مجموعة من التربويات. وبحكم العواطف الجياشة الرقيقة التي يفيض بها (عالم المرأة)، لم يدر في الخلد أن تتحول المناسبة إلى مشاهد من البكاء، اختلطت فيها دموع المعلمات مع الطالبات. موقف مؤثر أذهل الحضور من صغار السن، من تلك الفئة المستضافة. استفهامات وأسئلة بدأت تدور في أذهانهم، في مرحلة عمرية مبكرة، لم يعايشوا، أو يشعروا بدفء الجو الأسري، بحنانه، وعطفه، وشفقته!!
* أما لماذا تحولت المناسبة إلى هذا المشهد المشحون بالعواطف، فلأن كل واحدة من الحاضرات، وبشكل تلقائي، استيقظ عندها الضمير الحي، لتستشعر معاني (الرحمة) التي عناها (المنفلوطي) بقوله ((ليتك تبكي كلما وقع نظرك على محزون، أو مفؤد، فتبتسم سرورا ببكائك.... إن اليد التي تصون الدموع أفضل من اليد التي تريق الدماء.... امسحوا دموع اليتامى، وارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)). بهذه العبارات الأدبية استُنهضت الهمم، وقويت العزائم.
* من الصعب أن تشاهد اليتيم ولا يقفز إلى ذهنك صور ترتبط بالظلم والقهر والحرمان النفسي الذي ينتظره. من البدهي أن يرتسم في مخيلتك ما يسرد في بعض القصص التي تحاكي الواقع، وتصور اليتيم تتقاذفه الأبواب والطرقات، ويعاني من الإقصاء والإهمال، والشدة والعنف. شخص يكتوي بنار الجوع والفقر، ويصطلي بنار الحاجة والمرض، ما لذي يمكن أن نقدمه له؟
* أمام هذا الحدث يمكننا القول إن المشاريع الخيرية والاجتماعية تبدو فيها المرأة أكثر قدرة، وأكثر تفاعلا، وأبعد أثرا وتأثيرا من (عالم الرجال)، عالم الظواهر الصوتية كما نعتهم الكثير. لا غرابة في ذلك، لأن الغرائز تختلف، وطبيعة التكوين النفسي والاجتماعي، وحتى الجسمي لها تأثيرها على السلوك.
* مع ذلك لا يزال الرجل، رغم ضآلة الأثر، وضعف المخرجات هو صاحب المبادرة في كل شيء. هو الخصم والحكم. هو المبتدأ والخبر. لم نقف ذات يوم مع أنفسنا بإنصاف وتجرد، لنقيم أعمالنا وبرامجنا ومبادراتنا، ونضعها على محكات التقييم الدقيقة، لنقيس بموضوعية متناهية مدى القدرة والكفاءة، وأي مجالات العمل أقرب لأي من الجنسين؟ ما المسارات التي يمكن أن توكل للمرأة، دون أن يخدش من أنوثتها وكرامتها، وقيمها وأخلاقها؟ وما المسارات التي لا يناسب خوضها، أو العمل فيها إلا لفئة الذكور، بعيدا عن الانسياق وراء الشعارات التي تنادي بالمساواة في كل شيء.
* أنا على يقين تام أن برنامج (كهاتين في الجنة) تُبني أكثر من مرة، من مؤسسات يقودها رجال، لكني أراهن أن يكون بذلك البعد والأثر والدرس التربوي والأخلاقي الذي نهضت به (ريمان) وزميلاتها. تحية وتقدير، وإكبار إجلال لمن غرس هذه البذرة في تلك النفوس، وعما قريب ستؤتي ثمارها، ويقطف الجميع من جناها الطيب.
(لواذع الحياة)
يقول الشاعر (حمد الحجي) وقد عاش صنوف الشقاء والحرمان:
أأبقى على مر الجديدين في جوى
ويسعد أقوامٌ وهم نظرائي
يسيرون في درب الحياة ضواحكا
على حين دمعي ابتلّ منه ردائي
ألست أخاهم قد فطرنا سوية
فكيف أتاني في الحياة شقائي
dr_alawees@hotmail.com