لا يختلف أي منا على أن كل ما يحيط بنا من منتج إنساني ناتج عن فكرة، ولا يمكن لأي منا أن ينتج دون أن يكون لما سينتجه فكرة يعتمد عليها في صناعة وتشكيل منتجه، وكما يقال: إن الحاجة أم الاختراع أقرب وصف أن الفكرة هي أصل الإبداع.
والإبداع هنا لا يتوقف عند فن بعينه وإنما يشمل كل ما هو نفعي ماديا كان أو فكريا، ومن هذه الإبداعات ما يتعلق بالفنون بعمومها الموسيقية أو المرئية عبر اللوحة أو الصورة الفوتوغرافية أو الصورة المتحركة في التلفزيون والسينما إلى آخر المنظومة وصولاً إلى الفكرة في المنجز الفكري في الكتابة إن كانت مقالة أو توثيقا لتاريخ أو مواقف أو رواية أو قصة أو قصيدة، أما المادية فهي في كل ما فيه نفع للإنسان، في مأكله ومشربه ومركبه ابتداء من إبرة الخياطة مروراً بالسيارة والأثاث وصولاً إلى الطائرة، كل هذه المنتجات تبدأ بفكرة.
وليكن موضوعنا تحديدا في العمل الفني (التشكيلي) الذي لا يمكن أن ينتج فيه لوحة أو منحوتة إلى آخر منظومة الفنون الحديثة التي لا تنتهي في متحف وأن تقتنى بقدر ما توثق بالصورة والفيديو وتنتهي بنهاية عرضها المباشر مبقية (الفكرة) التي بني عليها العمل.
فهذه الفنون وعلى طول مسافة ومساحة تاريخها قد تأسست وانطلقت من فكرة سعى من خلالها الفنان إلى تجسيد أمر (ما)، أو أن يرصد شكلا من أشكال الحياة، أحيانا تظهركقضايا اجتماعية ومواقف إنسانية أو سياسية وأحيانا تعني الجمال وإبراز الجانب الجميل في حياتنا، ومع ذلك لا يمكن أن يضع الفنان فرشاته على اللوحة دون تلك (الفكرة).
وتتضح هذه الفكرة وتبرز عند من يعي دورها ويجعل منها مرتكزا للعمل عكس من يرى إن تلقائية التنفيذ في الأداء وما ينتهي إليه تشكيل اللوحة من تكوين لا يحمل معنى أو إشارة، نوعا من الحداثة في الفنون، وان ما يعتمد على مرجعية ذهنية تشكلها الفكرة ضربا من التخلف، فالشكل لديهم في اللوحة مهما كان ارتجالياً أو موحياً بشيء قد لا يكون له صلة بالواقع دليل على قدرة الفنان على التخلي عن أي مؤثر بالكامل.
أما الجانب الآخر من أهمية (الفكرة) فهي في توقع بعض الفنانين ان في عرضهم لإيماءات وإيحاءات إما صادمة أو جارحة أو مسيئة للذوق العام جزء من الإبداع وأن في تغليفهم الفكرة عند تفسير الشكل الظاهر للعيان بغلاف يخالف حقيقتها المرئية ضرب من الذكاء، دون وعي بأن للفكرة أكثر من تأويل والغامض منها اخطر من المباشر، وان في بعض الأفكار التي يطرحها بعض الفنانين والفنانات في معارض خارج الوطن وما يشوبها من ومضات تضيء جزءا من حقيقتها، أساءوا بها للوطن أو لمجتمعهم ما يكشف خلو الوفاض من القدرة على الإبداع الحقيقي والتعامل مع (الفكرة) الصادقة، واستبدالها بالمثير واللافت لهم وليس للعمل.
monif.art@msn.comفنان تشكيلي