من الواضح أن الولايات المتحدة في مأزق، فقد تعاملت مع العالم العربي، وقضاياه كما تعاملت معه القوى الاستعمارية قبل عدة عقود، دون إدراك منها أن الزمن لم يعد هو الزمن، وسواء كانت أمريكا ضالعة في الثورات العربية، أو أنها ركبت موجتها فيما يحقق مصالحها، فإن المؤكد هو أنها دعمت تنظيم الإخوان المسلمين، قبل وصوله إلى كرسي الحكم، وبعد وصوله بشكل فاق كل تصور، ولا يمكن، والحالة هذه، إلا أن يتوقف المحايد عند حجم الصفقات التي تمت بين الحكومة الأمريكية، والتنظيم خلال فترة حكمه القصيرة، إذ لا بد أن سقوطه أفسد شيئا ما على إدارة الرئيس أوباما !، ولذا فإن ردة الفعل الأمريكية على ثورة 30 يونيو كانت، وربما لا تزال مترددة، ويظل موقف الرجل القوي في الحزب الجمهوري، والمرشح السابق للرئاسة الأمريكية في عام 2008 السيد جون مكين يثير الشكوك، الاستغراب!.
السيد مكين قريب جدا لإسرائيل، وبالتحديد مع رئيس الوزراء نتنياهو، وموقف مكين المعارض لسقوط تنظيم الإخوان يخفي وراءه الكثير مما قد يتبين خلال الفترة القادمة، فقد ظهرت وثائق، لا أجزم بصحتها، عن صفقات تمت بين قيادات التنظيم، وبالذات الرجل القوي خيرت الشاطر، وبين الإدارة الأمريكية، منها ما قيل عن وثيقة تشير إلى إمكانية بيع نسبة لا بأس بها من أرض سيناء مقابل ثمانية مليارات دولار، وذلك لتكون مسكنا لفلسطينيي غزة، وما يضفي بعض المصداقية على هذه الوثيقة المزعومة هي العلاقات الحميمية بين التنظيم الأم في القاهرة، وقيادات حماس الإخوانية، وهي العلاقة التي كان من شأنها تهدئة جبهة غزة مع إسرائيل، منذ تولي الرئيس السابق مرسي الحكم، وربما أن هناك الكثير مما سيتكشف خلال الفترة المقبلة، وقد يؤثر على سمعة التنظيم التي اكتسبها خلال ثمانين عاما.
خلاصة القول هو أن كل الدلائل تشير إلى أن إدراة أوباما رسمت خطتها على إمكانية بقاء تنظيم الإخوان في الحكم لفترة طويلة، تماما كما حصل بعد ثورات العسكر منذ الخمسينيات الميلادية، والتي كان من نتائجها تقلدهم للحكم في بعض البلاد العربية لعقود، وعقدهم لتحالفات فردية، كما في حالة اتفاقية كامب ديفيد، وكان من نتائج ذلك حالة التردي العربية، والتي استمرت عقودا طويلة، ويبدو أن ثورة 30 يونيو قلبت الأمور رأسا على عقب، ولذا جاءت ردة الفعل الأمريكية مرتبكة، ومترددة، ولكن المؤكد أن إدارة أوباما، وحلفاءها أدركوا الآن أن «البعبع الثوري»، والذي نهض من رقاده منذ عام 2011، لن يستكين، ولن يستسلم بسهولة، إذ ليس من المعقول أن ترضى الشعوب العربية من الغنيمة بالإياب، بعد كل التضحيات الجسيمة التي بذلتها بحثا عن العدالة، والحرية، والديمقراطية، وربما يغير هذا موازين القوى، وخارطة التحالفات في عالمنا العربي في المستقبل.
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2