كثيرون هم أولئك الذين ارتسمت في أذهانهم وتجذرت في أعماقهم مشاعر التقزيم للمرأة والنظر إليها على نحو دوني يدفع باتجاه التجافي عن إكبار إنسانيتها وغض النظر عما تجود به من عطاء وافر، والإشكالية تتعاظم حينما يكون هذا الإجحاف والتجاهل لدور المرأة يتم شرعنته باسم الدين فتُهمل دلالات المحكم النصي التي تعلي من قيمة المرأة، وتؤكد على مكانتها وأنها أحق موجود بحسن الصحبة، بل وتجعل من ملازمة أقدامها باعثا محوريا لبلوغ الجنة تُهمل مثل تلك النصوص وتُنتهك قيمتها الدلالية لصالح نصوص أخرى موضوعة أو ضعيفة أو غير ثابتة الصدور أو مشتبهة الدلالة أو توظف في غير سياقاتها كلون من التبرير لتعميم المعنى السلبي الذي يزيد من احتمالية تهميش المرأة وإقصائها عما تضطلع به من دور جوهري فاعل في سياق حركة التصحيح الكبرى، ومن أبرز تلك النصوص التي يتم استدعاؤها وبسرف باذخ لتعزيز فرص تغييب العنصر الانثوي حديث ابي سعيد الخدري رضي الله عنه: «مارأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم منكن» فهذا الحديث يتم تداوله كثيراً وتلوكه ألسنة حداد بجهل أو بسوء طوية باعتباره نصا نبويا دالا على تضاؤل القدرات العقلية للمرأة ومقرراً هشاشة تدينها وممهدا لإحياء الوأد الأنثوي كرة أخرى على صعيد المعنى وعلى نحو يعبر عن خلل مفاهيمي في التعاطي مع النصوص ولاريب هنا أن: «الآفة من الذهن العليل لا من نفس الدليل» على حد عبارة مدارج السالكين ج2ص319.
الحقيقة التي يجري حجبها هنا, وهو حجب ناجم عن الجهل حينا وعن التجاهل حينا آخر! الحقيقة هي أن هذا النص النبوي بالتحديد هو بالعكس يحتفي بعقل المرأة ويلفت الوعي إلى حجم ما تملكه من قدرات ذهنية لافتة فالمرأة الواحدة كما يقرر هذا الحديث تملك من البراعة الكافية والقدرة على التخطيط ما يؤهلها لأن تغلب الرجل اللبيب، أي ذاك الذي تعالت مؤشرات حصافته العقلية وهو ومع ما ينطوي عليه من قدرات ذاتية ملحوظة إلا أنها مع ذلك تتقاصر به ولا ترشحه للوقوف موقف الند للند مع المرأة، وهذا هو ما يثير التعجب النبوي في هذا السياق وقد جلى في هذا الحديث بواعث نعت المرأة بذلك وعزاه إلى جهة وهن حفظها مما جعل من شهادتها تحتاج الى شهادةٍ نظيرةٍ لها لتعضدها وتتلافى ما قد يعتري الواحدة من نسيان تبدو معه الشهادة على غير وجهها، وأما نقص الدين فعزاه إلى ما ينتاب المرأة من تغيرات فسيولوجية تتعذر جراءها الطهارة الأمر الذي دعا إلى إسقاط الصلاة عنها أداء وقضاء والصيام أداء ويؤكد تلك الحقيقة أيضا أن الخطاب القرآني في الأصل أتى على نحو عام يخاطب الجنسين فلم يقتصر على طرف دون الآخر.
إن التنافس في ميدان الابداع والمسارعة في قيم الانتاج المثمرة ليس مرتبطاً بالعنصر الذكوري ولا بنوعية الامتداد الأسري ولا بطبيعة الانتماء القبلي بقدر ما هو خاضع للإرادة والقابلية الذاتية للمعرفة من خلال ذلك العقل المتوقد، وهذان الأمران متاحان وبدرجة متساوية للمرأة والرجل، فالأنوثة لا تمنع من التألق وليست مسوغاً موضوعياً لمحاصرة المرأة وحصرها في موقع التبعية والانقياد!.
abdalla_2015@hotmail.com