بعيداً عن الاختلاف في الثقافة المذهبية والطائفية، ظهرت في الآونة الأخيرة تيارات فكرية متطرفة، ليس لها علاقة بالدين أصلاً وإن ادّعى أصحابها بأنهم مثقفون، وهم حقيقة ليس كذلك، وأعزي كلامي هذا إلى أن من يتنصل عن تراثه وثقافته الأصيلة وعاداته ومبادئه وعقيدته، ليس هو مدركاً للثقافة، وإن ادّعى أنه غزير المعرفة والاطلاع.. للأسف إن من ينتسبون لمثل هذه التيارات (فاقدة الهوية) في تزايد بعد أن كانت الآن قليلة. ولعل السبب الرئيس الذي دعاهم إلى تلك التيارات وتجاوز بعض الثوابت هو من أجل الظهور وطلباً للاشتهار والشهرة وأن هذه من أسرع الطرق حسب ظنهم والذي لا يصرحون به. إنني لن أتحدث كثيراً في هذا الإطار كون الموضوع قد أُشبع كتابةً ونقاشاً وحواراً ومعارضة، ولكنني أحببت أن أسجّل حضور معارضتي في هذا المسرح.. وهنالك الكثير من هؤلاء يمتلكون مواهب ربما تظهرهم للعالم كمتميزين وبارزين في مواهبهم - ويصفق لهم الجميع - ولا أدري لم اختاروا هذا الطريق؛ طريق الانحراف الفكري والعقدي، قد كنا نصفق لهم وبحرارة في مجال مواهبهم وفي ساحتهم الخضراء والوردية وكنا من المعجبين بهم أدباً وإبداعاً قبل انحرافهم وخروجهم عن الجادة.
الثقافة هي تماماً عكس التخلف بالمفهوم الواسع للمفهومين وليس بالمفهوم الضيق، وأجد انحدار المثقف في وحل الرذيلة يعد تخلفاً من النطاق الواسع والضيق مع إصراره واعتقاده بأنه مثقف، فهذا الاعتقاد لا يخدمه ما دامت الانتكاسة قد أصابته وجعلته والثقافة خطين متوازيين، وإن كانا في يوم ما يمثّلان خطاً واحداً.. وأن هذا المنتحل للثقافة وإن وجد من يطبل له ويرقص فإنه بعيد كل البعد عن الثقافة، فالعاقل من جلب العاقل خلفه لا المختل والمنتحل، وإن كان هذا الاختلال والخلل فكرياً فهنا هي الطامة الكبرى.. نعم هذا العصر هو عصر المتغيِّرات التي فرضها الواقع نظير سرعة عجلته التي نعيشها في كافة الجوانب والاتجاهات سواء الرقمية أو المعلوماتية أو غيرها.. وإنني أجزم بأن أفراد هذا الجيل أكثر وعياً مما سبقه؛ أقصد الوعي الفكري والمعرفي وأنه قادر على تمييز السمين والغث من الأفكار، فكثير من الأفكار هدَّامة وضالة وإن جاءت تحت مظلة التطور والتسارع المعلوماتي، إننا في هذا الجيل ورغم ما يمر عبر مراحل تطورية وتقافزية يضطر أن يكون بين مفترق طرق؛ طرق قادرة على مقاومة التيارات الفكرية النحلة والتي تتلون بألوان برّاقة في بدايتها ومع تطورها تظهر على حقيقتها والتي تتمثّل في أنها بؤرة تنبعث منها الرائحة الكريهة وإن شممتها خلاف ذلك وطرق هزيلة تقع ضحية تلك الأفكار الهدَّامة والمنحطة فكرياً وعقدياً..!
خلاصة قولي أن القمر يبقى قمراً وإن اختفى خلف الغيوم، والشمس تبقى ذلك النجم الذي يمد القمر ضياءً ونوراً ويعطيه الجمال، وإن لم يدرك ذلك عامة الناس؛ كذلك هي الثقافة الحقيقية، وكذا هو المثقف الحقيقي الذي يبقى جوهره كالذهب، الذي لا يصدأ مهما طال به الزمن ومهما عصفت به الرياح العاتية.
ومع كل هذا تظل المبادئ الحقيقية باقية أزلية، رغم ما يطرأ عليها من أمواج بعيداً عن الاختلاف الطائفي والمذهبي، ومع هذا فالاختلاف سنة كونية بها من الجمال والذوق ما لم تتجاوز المحظور من الخطوط الحمراء غير القابلة للتجاوز لدى كافة التيارات الفكرية والعقدية على اختلاف طوائفها المذهبية وتعدد منابع ثقافتها..!
Albatran151@gmail.com