كثيراً ما تصدر بعض التعيينات في عدد من مرافق الدولة الرئيسية التي ترتبط بشكل مباشر بحياة المواطنين والمقيمين فتجد الناس يستبشرون بتلك القرارات اعتقاداً منهم بأن أي تغيير يمكن أن يصاحبه تحسين فيما يجدونه من خدمات باعتبار أن المسؤول القادم سيستفيد من الأخطاء
والعثرات التي واجهت المسؤول السابق وسيحرص على تحسين وتطوير الخدمة مع قناعة البعض بأن هناك الكثير من الجهات لاتتأثر بتغيير المسؤول باعتبار أن المشكلة في تلك الجهة لن تحل بتغيير المسؤول بل بتغيير الثقافة العامة الموجودة في تلك الجهة وكذلك تغيير جزء كبير من فريق العمل الذي مضى عليه عشرات السنين وهو مستمر في تلك المنشأة دون أدنى تحسين أو تطوير أو تغيير في أداء تلك المنشآت.
وعلى الرغم من أن بعض الناس لا يرحب بالتغيير ويتمنى أن تبقى الأمور كما هي إلا أن هذه التغييرات تتضمن العديد من الجوانب الإيجابية وفي مقدمتها إتاحة الفرصة لآخرين لتقديم شيء جديد ولتطوير ما هو قائم أو تصحيحه إن كان يسير في اتجاه خاطئ، إذ إن المسؤول السابق قد يصل إلى مرحلة من اليأس والقنوط وعدم الرغبة في التغيير بحجة أن لا فائدة من أي جهد يبذل وبالتالي فإن في تجديد الدماء فائدة للسعي نحو تحسين الأداء وبالتالي تطوير الخدمة المقدمة للمواطنين.
ولا شك أن للمنصب إغراءاته ومكانته التي قد تلهي كثيرين، كما أن الكثيرين ومنذ أن يصيبهم داء المعالي تتغير تصرفاتهم وتختلف طباعهم ويصبحون شخصيات مختلفة تماماً حتى أنني عندما اتصلت ببعض المعينيين لتهنئتهم على مناصبهم ووجدتهم يجيبون مباشرة على الاتصال أو يجيبون على ما يرسل لهم من رسائل حمدت الله أن البداية تبشر بخير وسألت الله لهم الثبات وعدم التأثر بعوامل التعرية التي تصاحب أي منصب جديد.
إنني أتمنى من كل مسؤول جديد تقلد منصباً أن يحاسب نفسه يومياً أولاً وأخيراً قبل أن يحاسب الآخرين أو قبل أن يبدأ في نقد من سلفه وتوضيح أخطائه كما أتمنى أن يهتم بوضع خطة عمل لنفسه ويعلنها ويطلب من الجمهور أن يحاسبوه عليها، فعادة مع كل تعيين جديد تأتي آمال جديدة ويرتفع سقف الطموحات ويأمل الناس أن من جاء يكون خيراً ممن مضى.
أتمنى من كل مسؤول جديد أن يركز على تحقيقه للنتائج العملية أو الفعلية وأن يبتعد عن المظاهر وأن لا يصبح أسيراً للتغطيات الإعلامية والمتابعات الصحفية بل يجعل نتائجه وعمله يتحدث عنه، لقد شبع الناس من الكلام ومن البيانات الصحفية ومن الخطط الاستراتيجية ومن توقيع مذكرات التفاهم التعاونية ومن وضع أحجار الأساس لمشاريع تنموية كثير منها لا يرى النور ومن ورش العمل ومن التوصيات ومن المؤتمرات والندوات وغيرها من الأحداث التي تتكرر بشكل متواصل وفي النهاية يريد المواطن أن يرى شيئاً أمامه نتيجة كل ذلك فلا يكاد يجد شيئاً يذكر وذلك على الرغم من الدعم الذي تقدمه الدولة وعلى الرغم من الميزانيات الضخمة التي ترصد وعلى الرغم من المتابعة المتواصلة من خادم الحرمين الشريفين وتوجيهه المستمر في أكثر من مناسبة على أهمية تحقيق الإنجازات إلا أن كل ذلك لم يرقى إلى مستوى التطلعات المأمولة.
أتمنى من كل مسؤول جديد أن لا يكتفي بإعلان الخطط وأن لا يكتفي بوضع الاستراتيجيات والرؤية الجديدة أو الرسالة الجديدة أو غيرها من الأساليب الإدارية الحديثة بل يحرص كل الحرص على وضع أسلوب محاسبة وقياس لأدائه يعلن عنه في نهاية كل شهر بحيث يصدر من إدارته تقرير لنتائج عملية موجودة على أرض الواقع فليست العبرة بأنك تعمل ولكن العبرة في نهاية المطاف بما حققته من نتائج، وقد يكون من الأفضل أن يقوم هذا المسؤول وحرصاً على الحيادية التامة أن يقوم بتعيين مكاتب استشارية عالمية تقوم بقييم أداء عمله وتصدر التقارير الخاصة بنتائجه.
إن التوفيق بيد الله أولاً وأخيراً ولكن يجب على الإنسان أن يسعى وأن يبذل جهداً وأن يطور من قدراته وإمكانياته ويدعم فريق العمل من حوله ليعمل في نفس الاتجاه بحيث لا يفاجأ هذا المسؤول بأنه يعمل في اتجاه وغيره يعمل في اتجاه معاكس ولذلك فإن أفضل ما يمكن أن يقوم به المسؤول لكسب قلوب الناس هو البساطة ومخالطة الناس والعمل بإصرار وتحد لتحقيق الأهداف المرجوة.