لا تزال مصر تعيش حالة فوضى عارمة أبطالها قادة الإخوان المسلمين الذين يحاولون أن يفجروا الوضع ويرفعوا حرارة المواقف من أجل أن تصل الأمور إلى مرحلة اختناق ليس بعدها إلا الدخول الحقيقي في حرب أهلية تطول كل شرائح الشعب المصري
وتستنزف الثروات الوطنية.. وتدخل بسببها مصر إلى نفق بل أنفاق ليس لها مخرج منها إلا بعد ربما سنوات وعقود - لا قدر الله.
الموقف التصعيدي الذي من الواضح أن الإخوان المسلمين يسعون من خلاله إلى فرض حلولهم الأخيرة على الواقع المصري لن تجدي كثيرا، ولن تجد من يتوافق معها؛ سواء من قوى المعارضة السياسية أو من الأجهزة الأمنية والدفاعية. وما شهدناه خلال الأسبوع الماضي من محاولة الإخوان ومؤيديهم من حراكات تظاهرية ومحاولة تقطيع الحركة المرورية في القاهرة وغيرها من المدن المصرية وإقفال الكباري والطرق يعني بوضوح أن جماعات الإخوان المسلمين تسعى إلى التحول نحو العنف وجر مصر إلى مرحلة نوعية من العنف السياسي الذي يستلزم تدخل الجيش وقوى الأمن الداخلي.. وفيما يبدو أن جماعة الإخوان تدفع بالجميع إلى الدخول في هكذا أزمة وهكذا توترات تؤدي في النهاية إلى عنف وقتل وتدمير وفوضى.
ما يدعو إلى التصديق بأن مصر في طريقها إلى عنف هو أن قيادة الإخوان أطلقت تصريحات نارية وأعلنت مواقف استثنائية من العداء والخيانات عن جبهة الإنقاذ أو حركات تمرد ورموزها، كما أنها ترفض بشدة الامتثال لخارطة الطريق التي وضعها الجيش أمام المتخاصمين السياسيين وتصعد من العنف في كل الاتجاهات، وتحاول أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء لتعيد الدكتور محمد مرسي إلى كرسي الرئاسة وتعيد الإخوان إلى سدة السلطة السياسية.
كما أن الإجراءات التي تمت من قبل النائب العام - ربما بإيعاز وربما لا من الجيش - تدعو إلى مزيد من التوتر في مواقف الإخوان وفرضت عليهم الخوف من المستقبل، محاكمات قيادات الإخوان وإعلان حالات فساد مالي وسياسي على عدد من القيادات السياسية الإخوانية والتشهير بحساباتهم لاحتوائها على ملايين الدولارات وتجميد أرصدة بعض القيادات، كلها أمور تعيق أي خط رجعة من قبل جماعات الإخوان، بل تفرض عليهم التمادي في مواقفهم التشددية والتي من شأنها أن تعرقل أي مسيرة إصلاحية لإيجاد حلول للأزمة السياسية في مصر.
إن الخوف الذي نخشاه هو وقوع مصر في فخ النموذج الجزائري وهو نموذج مؤلم ذهب ضحيته أكثر من مائة ألف قتيل واستغرق سنوات عديدة من القلاقل والفتن وعدم الاستقرار وانعدام الأمن وضرب البنية التحتية للتنمية الجزائرية. إن ما نخشاه على مصر هو أن يضع الإخوان المسلمون مصر على طريق النموذج الجزائري من خلال لعبة التصعيد السياسي التي سيتبعها ومعها حاليا تصعيد استفزازي للجيش للدخول في معارك ميدانية تؤدي إلى تدخلات شعبية من القوى الشعبية الأخرى.. وفي نظري أن النموذج المصري لو انفلت من رأي الحكماء وفكر المصالحة سيقود مصر إلى أسوأ من النموذج الجزائري لكون الخوف من أن يكون الاقتتال ليس فقط بين الجماعات الاخوانية ضد الجيش بل الإخوان ضد مختلف شرائح المجتمع المصري والقوى الأمنية والجيش. وإذا كانت الجزائر بحكم اقتصادها النفطي استطاعت أن تتحمل تبعات الحرب الأهلية التي مرت بها، لكن مصر نتيجة اقتصادها الهش واعتماده على دخل السياحة ورسوم قناة السويس لن يستطيع الاستمرار في التماسك والبقاء، وسيكون معرضا للانهيار.. وسيتضرر من مثل هذا الانهيار لا قدر الله مل المجتمع المصري وخاصة الطبقات الاقتصادية الفقيرة التي تمثل العمود الفقري من الشريحة الاخوانية.
alkarni@ksu.edu.saرئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال - رئيس قسم الإعلام بجامعة الملك خالد