من حسنات موقع التواصل الاجتماعي الشهير “تويتر” أنه كشف لنا وجوها، وأزاح الستار عن عقليات، لأنه ببساطة منح الجميع الفرصة ليعبروا عن كل ما يدور في أذهانهم بتلقائية ودون تكلف، فاكتشفنا شخصيات كنا نحسبها على درجة عالية من الوعي والإدراك والسمو بالذات فإذا بها تنزلق إلى مدارك أدنى بدخولها في مهاترات وتبادل لسباب وشتائم مع جهال وسفهاء لا يملكون أدنى قدر من احترام لمن يخالفونهم في الرأي، وكشف تويتر عن شخصيات مغمورة إما لزهدها بالأضواء والشهرة، أو أن الظروف لم تسعفها للظهور وبالتالي بقيت متوارية عن الأنظار، هذه الشخصيات تقدم فكرا نيرا تحاورك برقي، وترد عليك بتأدب وتطرح رأيها بعقلانية وتوازن، وتقبل الرأي المخالف أو ترده من منطلقات فكرية بعيدة عن الشخصنة الممجوجة. تربأ بنفسها عن مبادلة الألفاظ النابية وكيل التهم دون دليل مقنع.
الأيام الماضية عشنا أحداثا متلاحقة. برزت على السطح أحداث مصر، ولأن تويتر الموقع الملائم لطرح الآراء فقد دارت رحى التجاذبات بضراوة غير مسبوقة، وانقسم المغردون إلى مؤيد للتغيير متحمس للتجديد وإلى معارض مناصر للرئيس المعزول وجماعة الإخوان المسلمين. بلغت التغريدات ذروتها فتجاوزت في بعضها حدود اللياقة، وخاصة من الذين يغردون بأسماء مستعارة، أو أسماء وهمية يبدو لك من ظاهرها أنها لأشخاص معروفين أو شخصيات معتبرة بينما هي حسابات بأسماء منتحلة. مجرد أن ما طرحته لم يرق لبعض النفر من المتابعين ولأنهم لا يملكون الحجج الكافية للرد على فكرتك يلجئون مباشرة لرميك بأقذع الألفاظ والصفات وتصنيفك ولا تستغرب أن تقرأ تغريدات تحتوي على ردود غاية في السفه وقلة الأدب معك مثل يا غبي ويا أحمق ويا نكرة ويا زينك ساكت ومن أنت، وطبيعي سأستبعد كثيرا من الألفاظ غير اللائقة والهابطة ولن أدونها في المقال فليس من المعقول تكدير ذائقة القارئ الكريم بها. عندما تعود لحساب المغرد الشاتم تجده من أصحاب الحسابات الجديدة، وحديث عهد بعالم التويتر فمتابعوه لا يتجاوز عددهم العشرة، أو من المنتمين لجماعات معينة وحينها تكف تماما عن الرد، والأولى أن لا ترد لأنك تحاور شخصا مبهما عالقا في الجهل سيضيع عليك الوقت ويشتت تفكيرك ويرفع ضغطك فلا يسعفك حلم الدنيا لو اجتمع فيك وفي النهاية لن تصل معه إلى نتيجة.
كثير من هذه العينات التي ابتلي فيهم تويتر مبرمجون على رأي واحد لا يحيدون عنه. إن كنت موافقا لتوجهاتهم وضعوك على رؤوسهم، وإن كنت متفقا معهم في بعض الأمور مخالفا لهم في أفكار أخرى وصفوك بالمذبذب والمتناقض والإمعة والجبان، وإن كنت مخالفا لتوجهاتهم أطاحوا بك إلى أسفل السافلين كجلمود صخر حطه السيل من عل.
الإطاحة بك وبحسابك تتم على مراحل بدايتها السب والشتم ثم حذفك من قائمة المنع وهي الطريقة المسماة بلغة المغردين “آن فلو”، أو عمل بلوك أي حجب لمجرد أن رأيك وفكرك لا يوافق هوى في نفوسهم العليلة فلا طريقة جيدة في الحوار ولا تقبل للرأي المخالف. هذا الإجراء بالتأكيد في صالحك لأنك أنت الكاسب من مغادرة شخص غير محترم وأبرك الساعات.
Shlash2010@hotmail.comتويتر @abdulrahman_15