الحمد لله الذي شَرَحَ صدورَ المؤمنينَ بألطافِ بِرِّهِ وآلائه، ونَوَّرَ بصائرهم بِمُشاهدَةِ حِكَمِ شَرْعِهِ وبديعِ صُنْعِهِ والتَّفَكُّرِ في آياته، وأَلْزَمَهُم كلمةَ التقوى وكانوا أَحَقَّ بها وأَهْلَهَا، فسبحانهُ مِنْ إلهٍ عظيم، وتباركَ مِنْ ربٍّ واسعٍ كريم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في أسمائهِ وصفاتهِ وأفعاله، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ أشرف خَلْقِهِ وخَيْرُ بريَّاتِهِ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيراً.
قال الله تعالى: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإسلام فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (الزمر:22).
إخواني: اعلموا أَنَّ سعادةَ الدنيا والآخرةِ مقرونةٌ بصلاحِ القلوبِ ونعيمِها وانشراحِها، وزوالِ همومِها وغمومِها، فالزموا طاعةَ اللهِ وطاعةَ رسولِهِ تُدْرِكُوا هذا المطلوب، واذكروا الله كثيرًا، ألا بذكر الله تطمئن القلوب، أما عَلِمْتُم أَنَّ الإقبالَ على اللهِ رغبةً ورهبةً وإنابةً إليه في جميع النوائبِ والحالاتِ أعظمُ الأسباب لانشراحِ الصُّدُور، وطمأنينةُ النفوس، وإدراك المقاصدِ والغايات، وأَنَّ الإعراضَ عن الله، والإكبابِ على الشهواتِ نارٌ تلظَّى في القلوبِ وخسرانٌ وحسرات، وأن السَّعْيَ في طلبِ العلمِ النَّافِعِ مع النِّيَّةِ الصالحةِ من أجل الطاعاتِ وأعظمِ القُرُبات، وبه تزولُ الجَهَالةُ والضِّيقُ وجميعُ الأمور المعضلات، وأنَّ تَنوُّعَ العبدِ في السَّعي لِنفعِ المؤمنين بقولِهِ أو فعلِهِ أو جاهِهِ أو مالِهِ، يُصلحُ اللهُ به أمورهُ في الدُّنيا والدِّين، فَمَن كان في حاجةِ أخيه كان اللهُ في حاجته، ومن نفَّسَ عن مؤمنٍ كربةً من كُرَبِ الدنيا نَفَّسَ اللهُ عنهُ كُربةً من كُرَبِ يومِ القيامة، ومن يَسَّر على معسرٍ يَسَّرَ اللهُ عليه في الدنيا والآخرة، ومن سَتَرَ مسلمًا سَتَرَهُ الله في الدنيا والآخرة، واللهُ في عَوْنِ العبدِ ما كانَ العبدُ في عونِ أخيه، ومن تواضعَ لله رفعه، ومن تَكَبَّر وضعه، ومن تتبَّعَ عوراتِ المسلمينَ تَتَبَّعَ اللهُ عورته وفضحه، ومن تقرَّبَ إلى الله تقرَّب الله منه، ومن أعرضَ عنِ اللهِ أعرضَ الله عنه، والجزاءُ من جنس العمل، وما ربُّكَ بظلامٍ للعبيد.
واعلموا أن إصلاح الباطن سببُ صلاح الظاهر، وأن الله مُطَّلعٌ على الضمائرِ والسرائر، فأصلحوا قلوبكم بالنيةِ الصالحة، والنصيحةِ لعبادِ الله ومحبةِ الخيرِ لهم تنالوا الفوزَ والفلاح.
قال الله تعالى: وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِين (النحل:30).
إخواني: حافظوا على الطاعات، وجانبوا المعاصي والمحرمات، وابتهلوا إلى فاطر الأرض والسموات، وتعرضوا لنفحات جوده فإنه جزيل الهبات، واعلموا أنه ليس لكم من دنياكم إلا ما أمضيتموه في طاعة مولاكم، فسبحانه من وثقت بعفوه هفواتُ المذنبين فَوَسِعَهَا، وطَمِعَت بكرمه آمالُ المحسنين فما قَطَعَ طمعها، وخَرَقَتِ السَّبعَ الطِّباقَ دعواتُ التائبينَ والسائلينَ فَسَمِعَهَا، يجودُ على عَبْدِهِ بالنوَّال قبل السؤال، ويغفرُ لمن تاب إليه ولو بَلَغَت ذنوبُهُ عدد الأمواجِ والحصى والترابِ والرمال، بابُهُ الكريمُ مناخُ الآمالِ ومحطُّ الأوزار، ويمينه ملأى لا تغيضها نَفَقَة، سَحَّاءُ الليلِ والنهار، فابسُطُوا رحمكمُ اللهُ الأيدي إلى المولى بالذل والضراعة، وتضرعوا بالذُّلِّ والانكسارِ في هذه الساعة، ونادُوا يا من لا تضره المعصيةُ ولا تنفعه الطاعة، نسألك أن تشرح صدورنا، وتيسِّرَ أمورنا، وتغفرَ ذنوبنا، وتفرِّجَ همومنا وغمومنا، وتصلحَ لنا نياتنا وذرياتنا، وتبارك لنا في أعمالنا وأعمارنا، وتجعلنا في هذا الشهر من المقبولين، ومن عتقائك من النار يا رب العالمين، اللهم أصلح لنا ديننا ودنيانا وآخرتنا يا عزيز يا حكيم، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
- الإدارة العامة لتطوير الخطط والمناهج بوكالة الجامعة لشؤون المعاهد العلمية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
a.m.alrayes@hotmail.com