إن من أجلّ النعم العظيمة التي أنعم الله تعالى بها على أُمَّة السلام شهر رمضان المبارك الذي تصفو النفوس فيه وتنبض فيه المشاعر والأحاسيس وتتهيَّأ النفس البشريَّة للتقوى، ومراقبة الله في السر والعلن وتربية الإرادة وتعويد الصبر وتحمل المشاق والتعب والعناء، ولذا قيل: إن الصوم نصف الصبر، وهو شاق على النفس حقيقة، شديد عليها أن تحرم مما في يديها.
وعندما شرع الله سبحانه وتعالى العبادات بشتَّى صورها المتعدِّدة سواء البدنية منها أو المالية، لم يقصد من وراء تشريعها العناء والتعب بل حاشاه سبحانه وتعالى، ولكن الهدف المقصود والغاية النبيلة التي تهدف إليها الشريعة الإسلامية إلى تهذيب النَّفس البشريَّة وتعويدها على تحمل المشاق والتعب والعناء والصبر، ومن جملة هذه العبادات التي فرضها رب العباد على العباد عبادة الصيام وهو الإمساك عن الطعام والشراب من بداية طلوع الفجر إلى نهاية غياب الشمس وهكذا.
وليس الصيام فقط بل المراد ما هو أبعد من ذلك وهو بلوغ التقوى - كما قال تعالى في محكم كتابه الكريم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . ما أعظم فضل الله على عباده الصالحين في هذا الشهر الفضيل ولياليه المباركة، وما أعظم ما أعد الله لهم فيه من الخيرات والبركات العظيمة، وإجابة الدعوات، وإقالة العثرات ومضاعفة الحسنات، وتكفير السيئات حيث أخبر سيِّد الأولين والآخرين سيِّدنا وحبيبنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم بأنّ أوله رحمة وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، وأن الله سبحانه وتعالى أعطى هذه الأمة المحمدية في هذا الشهر الكريم خمس خصال لم يعطها أمة قبلها :-
1 - أن خلوفة فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
2 - أن الملائكة تستغفر للصائم حتى يفطر.
3 - أن الله سبحانه وتعالى يزين كل يوم جنته ويقول: ((يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة والأذى ويصيروا إليك)
4 - أن مردة الشياطين تصفد فيه، فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون فيه إليه في غيره.
5 - أن الله يغفر لهذه الأمة في آخر ليلة من هذا الشهر، وهذا فضل عظيم من الله ونعمة تكرم بها على أمة محمد صلى الله عليه وسلم واختصها به.
وقد جاء عن نبي هذه الأمة أنه قال: (من تقرّب إلى الله فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة، ومن أدى فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه).
ولهذا كان نبي الهدى صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم هذا الشهر الفضيل. (شهر رمضان المبارك) ويوضح لهم فضله وما فيه من الخيرات والبركات فعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شهر شعبان فقال أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك شهر فضيل شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، شهر جعل صيامه فريضة وقيام ليله تطوعاً من تقرّب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه. ومن أدى فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة وشهر المواساة وشهر يزداد فيه رزق المؤمن، من فطّر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء. قالوا: ليس كلنا نجد ما يفطر الصائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، من خفق عن مملوكه غفر الله له وأعتقه من النار فاستكثروا فيه من أربع خصال خصلتان ترضون بهما ربكم وخصلتان لا غنى بكم عنهما، فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما فتسألون الله الجنة وتعوذون به من النار، ومن أشبع فيه صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة) رواه ابن خزيمة في صحيحه. وفي الختام .. أسأل الله تعالى أن يرزقنا الشكر على فضله، والقدرة على أداء حقوقه، والالتزام بشرعه، وأن يجعلنا من الصائمين الصادقين نهاراً، القائمين العابدين العاكفين ليلاً، وأن يعيننا على غض البصر وحفظ اللِّسان من الغيبة والنميمة والقيل والقال، وأن يتقبل منا الأعمال الصالحة إنه سميع مجيب.