- على كل صاحب حاجة، وقبل الذهاب إلى دائرة من الدوائر القضائية أن يسأل، أو يستفسر عن الحالة التي هو عليها صاحب الفضيلة، لكيلا يذهب وقته سدى، ومن المؤكد أن معرفة ذلك الأمر ليس بالميسور، فبعض من أولئك القضاة - وإن كانوا قلة - يتكئون حين يغالبهم الكسل أحيانا،
- أو تأخذ منهم لذة النوم، والفراش الوثير كل مأخذ على الحديث النبوي (لا يقضي القاضي حين يقضي وهو غضبان)، (ولا يقضي القاضي وهو يقضي وهو جوعان)، وليس فيه حسب فهمي ما يوحي بتأخره، أو غيابه عن العمل، لكن ربما يكون للقاضي - دون غيره - حق الاجتهاد، أو الاجتهاد في تفسير النصوص.
- جرنا إلى الموضوع أحاديث متكررة، وأطروحات متعددة تدور عما يعانيه بعضهم من تأخر في معاملاتهم، أو الفصل في منازعاتهم، أو غير ذلك من قضايا شخصية تدعوهم للمراجعة والحضور للدوائر الشرعية.بل وقاد الفضول في الحديث إلى ما هو أبعد، إلى المقارنة بين ما كان عليه القضاة قديما، وما كانوا عليه رجالاته من بساطة وتواضع، حين كان الخصوم لا يجدون حرجا للاتجاه إليهم في مجالسهم الخاصة، وفي مساجدهم، أو يعترضونهم في الطريق أحيانا، يسألهم الرجل، وتستفتيهم المرأة، فيسمعون من هذا وذاك ويقضون بينهم دون الحاجة إلى موعد، أوإثباتات، أو مكاتبات، فالثقة المطلقة بنزاهة القاضي، وصدق المدعي بدعواه مستقرة عند الجميع، لا مجال للتشكيك. تحل القضايا والمنازعات بشكل مرن وسريع، رغم ضعف الامكانات التقنية والوسائل المعينة للقاضي على أداء عمله بكل يسر وسهولة.
- من الصعب جداً أن تجد إنسانا ما قاضيا أوغيره يستهل يومه، وبالذات في هذا العصر المادي بكل مظاهره، وهو يخلو من هم يلازمه، فطبيعة الحياة خلقت على كدر، والإنسان فيها يكابد، ما بين مرض، وحزن، وجوع، وهم، وغم، ونعاس، وملل. ويتفاوت البشر في هذه الأحوال على قدر إيمانهم، وصدق نواياهم وإخلاصهم في القول والعمل.
- من غير شك أن للقضاء حرمته، وللقاضي الحق، بل من الواجب عليه التأني والتروي، والتمحيص، والتدقيق، والتمعن، والمزيد من التبصر، والصبر، والجلد أمام كل قضية ينظر فيها، تحقيقا للعدالة، لكي يطمئن إلى سلامة حكمه من كل ما قد يعتريه من قصور، أو نقص، أو يشوبه من حيف، أوزلل، وكل هذه عوامل وحالات تجعل بعضهم يلتمسون العذر في تباطؤ مثل هذه المؤسسات في سرعة البت والإنجاز، قياسا على أداء الأجهزة الحكومية الأخرى ذات الصلة بخدمات المواطنين، وفيما يبدو أن معظم الدوائر القضائية في دول العالم تكاد تشترك في هذا السلوك، كما تشترك كذلك في حصانة أصحابها ومؤسساتها عن كل مساءلة محاسبة، تلك الميزة التي ربما استغلت استغلالاً من بعضهم بصورة تسيء للأجهزة القضائية، وتشوه الصورة الناصعة للمنتسبين إلى هذا الجهاز الذي يتوسم فيه الجميع المثالية والنزاهة، والتقى والورع في القائمين عليه، وهم كذلك.
- مع هذا كله، يجب أن نأخذ بالاعتبار بالمقام الأول أن للرقابة الذاتية، والحس الديني، والوطني، والاجتماعي متى تمكنا في النفوس وعززناها دورا كبيرا في تجاوز هذه الصورة السالبة التي ارتسمت في الذهن، كما أن لرقابة الأجهزة المعنية وصرامتها دورا مؤثِّرا، في حال قامت بما أنيط بها على أكمل وجه، دون محاباة، أومواربة.
- سنظل متأخرين عن الآخرين ونعاني أشد المعاناة إن لم تبحث مثل هذه الأجهزة الشرعية هذا الموضوع من كل الجوانب، وتضع أدوات دقيقة محكمة لقياس الأثر وإنتاجية الأفراد وتقييمهم، وأن تعمل على تصحيح المفاهيم الخاطئة إن وجدت عن الحصانة وحدودها. فنحن اليوم في القضاء وغيره من المؤسسات التي أنشئت لخدمة المواطن أحوج ما نكون إلى المثال الذي يجب أن تقتدي به الشعوب، ويحقق رضا المستفيد. فنحن نمتلك أعظم الدساتير وأقواها، وأبعدها أثراً إن نحن عملنا بما أوحت به، وندبتنا إلى تطبيقه في كل شأن من شؤون حياتنا.
dr_alawees@hotmail.com