يقال إنّ صبيّا فتيّا كان ضمن ركاب السيارة التي مُحَيتْ ومحَتْ بدورها ما رأته تقصيرا بشأن الإصلاح الذي يتحدث عنه كل من يضمر رغبة العيش في وطن مثل وطننا الذي أنعم الله عليه وكان حديث الذين يطلق عليهم الشباب الذين يرون في ركوب الدراجات التقنية على أنهم بقايا أناس. وكان مخرج الفيلم يريد إدانة ما يقولون إنه فساد في الدين بينما المخرج يؤكد أن الفساد هو (سوء في التعبير) وغير حقيقي، وإنني لأسارع بالقول أنني أتحدث عن القيم الأخلاقية التي تُمارَس لكثرة شبهها.
وهي حين تصطنع نوعا من الطقوس التي ارتبطت بأمنا الكبيرة المتمثلة في قضية (فلسطين) تشعر أن الرأي قبل شجاعة الشجعان، وهو رأي لا يمكن تسفيهه لمجرد أنه إن تكاثرت الآراء ضاع الحق وضاع الباطل (أيضا!) فالإنسان المنتمي لثقافة تختلف مع التلقين وتريد أن يقول الجميع وجهات نظرهم ! مثله مثل آخر له نفس التماهي مع الدين الذي قام أهله بزرعه رغما عنه في شعيرات بالمخّ توجد غزيرة بدماغ الطفل.
وحين قرأتم أول جملة من هذا الموضوع انتظرتم - بلا شك - أنني قطعت ماهو مبتدأ بدون أن أكلف نفسي لأعود للموضوع.
إنني أتحدث عن شيء يأكل لحوم رجال مدننا في طرقات ممتازة - لا أعني أنني سأتراجع لمربع الحوار الذي يظن البعض أن النفاق غريزة لا تُمحَى.
إنك حين تربّي طائرا أليفا لا تجلس طول الليل والنهار وأنت تصفّر له أو تداعب جسده بينما تربية الطيور تتطلب جهدا لا يختم بختم (للحفظ!) لكن الفتى الذي انمحى ضمن من إمّحوا هو شكل من التعبير عن ترابط الأمة وضرورة أن تكون كذلك أعني أنه لو منحت حريات كبرى فسيوجد باحثون عن السقطات.
وأول سلاح يستخدمه من يدرك أنه ليس سوى حجر الجندي في لعبة الشطرنج.
ومادمنا وصلنا إلى هذه الدرجة من الشفافية فإنه ينبغي علينا تكريس الحوار الذي بدونه لن نتمكن من معرفة آخرين منا لازلنا نمارس اقتراح البدء بالحوار ولا نقوم بتلبية فعل الأمر (افعل) مع علمنا بأن الخطر الذي يهبّ حينا يكفي قليل منه لتسميمنا وهنالك أشياء إن ظللنا نؤكد على صعوبة البتّ فيها فإن الله لا تعنيه مسألة أن ينافق المنافقون.
والتهمة ساقطة كونها لا تسري على المجموع.
نحن البشر ضئيلون إزاء الوحوش، ولا نتمنى أن نكون وحوشا ولا أن تكون الوحوش مثلنا.
ونظل نتمنى لأن أحلامنا (منىً! إن تكنْ حقا فما أجمل المنى / وإلا قضينا في المنى زمنا رغدا).
ولكي نغادر محطات الوجع ينبغي أن نتلفت لنرى ما يناقضها من كائنات جميلة وسعيدة.
إن الاستهلال يقصد أن مسألة الموت يمكنها سحق أوهامنا بالتميّز والتفوق وما يدعوه بعض من يكتبون بالخصوصية المجتمعية وهي مفردة واسعة الدلالات ومختلفة في تزييننا لها أو تمردنا عليها نحن نشبه الذين يصرون في جلستهم أن تتم فيه كمجلس قبائلي يعفو فيه عن طالب (دمّ) لوجود أزمة في النقود في الوطن.
وهي ليست أزمة عابرة لأننا نريدها كذلك.
ولنا مع الصبر الجميل وغير الجميل قصص تُروى !.
الكلام عن خصوصية ما يشبه التخلي ولكن بـ (وعد بالوفاء وقلوب ليست تنسى المبادىء) وهذا الكلام شديد الصراحة حيث يشبه الذي يمزق بيده (قطة) حتى تموت عقابا لها على كل ما تمثله في الوجدان الشعبي من خرافات فهو وجدان مخترق بسبب أننا لا نهتم بالآخرين سوى في مناسبات متناقضة (موت شخص نعرفه، أو زواج آخر نعرف عائلته، أو زيارة مريض ما، أو ما شابه..).
وكأن الذي يقومون بالواجب الاجتماعي والإنساني متفضلون على ما يؤكدون مما يعتبرونه الضمير الحي والذي ليس في حقيقته سوى بروتوكول لا يقدم ولا يؤخر.
أشعر أحيانا أن القراء لا يتغيرون لأنني أحب قراءة صفحات التواصل مع القراء.
وألاحظ شيئا ربما لاحظتموه وهو الأسلوب اللغوي المنهك بالتقاليد والتفاصيل وأحيانا لمجرد توجيه (شكر) للجريدة.
وبنفس اللغة القادمة من روتين الخطابات الروتينية المطعّم بالسجع والحكم والأمثال وحتى في استيراد بيتن من شعر ركيك.
ولكل الأسباب التي قلنا والتي لم نقل فإننا نؤكد على أهمية علاقة وسائل الإعلام بالناس ومحاولات إعطائهم فرصا حقيقية للتطور بوعيهم وتأكيد حقهم في نشر ما يمدون الجريدة به من أوراق لكي لا نفقدهم الأمل وهو الذي يصفه الشاعر بأنه لولاه لكان (ماأضيق العيش لولا فسحة الأمل) وهو أمل ضئيل وربما (في عداد المفقودين).
والحقيقة أن مهنة الكاتب - ومعنى (مهنة) هنا (العمل الذي يريد الإنسان القيام به) - وليس مصدرا للعيش ولكن يؤديه كرسالة للإنسانية التي تحتاج إلى المعرفة والاطلاع.
و الكاتب إذا حقق نجاحا في إيصال صوته إلى الناس يشعر بنشوة لا توصف، وهذا بالنسبة للكتاب الذين يتشكل خطابهم الثقافي من هموم الإنسانية ومن معاناتهم في سبيل أن يظلّوا فوق مستوى الذين لا تعني لهم الكتابة أكثر من رؤية صورهم وأسمائهم وهم بالمعنى الفلسفي يمارسون ما يدعى بـ(الجنسانية) والتي تعرف بـ(الانشغال بالذات)! ومن هؤلاء من لا يقرأ سوى ما يكتبه هو، وأحيانا لا يقرأ أي شيء ويكون همه محصورا بالمال الذي يمكن الحصول عليه بدون تقمص دور الكاتب أو المثقف.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو التوّاب الرحيم.
hjarallah@yahoo.com - alhomaidjarallah@gmail.comحائل