مع إعلان المصارف التجارية في المملكة عن نتائجها المالية للربع الثاني من هذا العام يلفت انتباهنا حدوث تغيرات جوهرية في مكونات أصولها، تتمثل في التركيز نحو المحفظة الاستثمارية بدلاً من المحفظة التمويلية، وهذا يحدث لأول مرة منذ عام 2009م (أي منذ الأزمة المالية العالمية). والغريب أن هذه التغيرات حدثت بشكل متزامن ومنسق بين جميع المصارف تقريباً؛ إذ بدا جلياً الآن تباطؤ النمو في كل من المحافظ التمويلية والودائع، بينما تسارع النمو بشكل كبير في المحافظ الاستثمارية المكونة أساساً من أدوات الدخل الثابت إن كانت على شكل سندات أو صكوك.
كنت قد ذكرت سابقاً أن الارتفاع التدريجي في أسعار الاقتراض بين المصارف السعودية بالريال السعودي (السايبور)، الذي بدأ منذ الربع الأول من عام 2012م، سيؤدي حتماً إلى تخفيض هوامش الربح من التمويل، وسيضع المصارف أمام تحديات كبيرة في كيفية توليد أرباح متصاعدة في ظل ثبات أسعار الريبو والريبو العكسي، وفي ظل صعوبة تمرير زيادات جديدة في أسعار التمويل، وهذا ما أصبح واقعاً الآن؛ إذ ارتفع متوسط أسعار السايبور لفترة 6 أشهر من 76 نقطة أساس في عام 2011م إلى 111 نقطة أساس في الربع الأول من هذا العام (وهي زيادة كبيرة نسبياً بالمعايير المصرفية)، بينما تواجه المصارف الآن صعوبات كبيرة في تمرير، أي زيادة في أسعار التمويل على العملاء.
من جانب آخر، وكما يعلم الجميع، تعرضت الأسواق المالية العالمية (وتحديداً أسواق الدخل الثابت) خلال شهر يونيو الماضي لعمليات تصحيح قوية، أوجدت فرصاً استثمارية حقيقية لتحقيق الأرباح، ويبدو أن المصارف في المملكة رغبت في استغلال هذه الفرص من خلال إعادة توزيع أصولها بالتركيز على السندات والصكوك على حساب عمليات التمويل والإقراض، أخذين في الاعتبار بلوغ الكثير من المصارف للنسب القصوى المسموح بها للإقراض (القروض إلى الودائع) من قبل مؤسسة النقد، إضافة إلى ميزة السيولة التي تتمتع بها استثمارات الدخل الثابت على المديين القصير والطويل، وهو ما يعطي المصارف المرونة اللازمة للتكيف مستقبلاً مع أي متغيرات قد تحدث، بما في ذلك تجهيزها لدخول سوق الرهن العقاري.
ختاماً، على الرغم من أن أرباح المصارف عموماً أتت متماشية إلى حد ما مع التوقعات إلا أن أسعار أسهمها في السوق تعرضت لضغوط غير مبررة، ويبدو أن الإجراءات التصحيحية التي قامت بها الحكومة مؤخراً لتصحيح أوضاع العمالة الأجنبية المخالفة ألقت بظلالها على أسعار أسهم المصارف على اعتبار أن هذه الإجراءات ستؤثر سلباً في بعض القطاعات الاقتصادية المهمة (مثل المقاولات أو الإنشاءات)، وهو ما قد يؤدي ببعض الشركات للتعثر، وربما تجد المصارف نفسها مضطرة إلى تكوين مخصصات ائتمانية، وأعتقد أن هذه النظرة التشاؤمية مبالغ بها إلى حد كبير بسبب تشدد المصارف في منح الائتمان (خصوصاً بعد أزمة القصيبي والصانع)، والأشهر القادمة ستثبت لنا ذلك. والله أعلم.
twitter@mfalomran