في عالم المال ومشاريع الأعمال لا بد لنا أن نناقش الكثير من الأبعاد الاجتماعية، والصور الإنسانية التي يُعنى بها الكثير منا، ونترك عن عمد تحاليل التجارة، وفرص الكسب، وقياس نبض السوق ونواياه، لأنه من الأجدى أن نعطي أهمية للجانب الإنساني، والمعنوي، لنحلل العلاقة، ونتفاعل معها بهاجس معنوي يبتعد عن رؤى المال والنقد والتنظير والتخمين بهلع، أو قلق دائم.
من هذه الصور ما يتم تداولها على سبيل المثال (الفضائح المالية) من قبيل التشهير بمن يمتهن أي طرق غير مشروعة لكسب المال، أو الاستحواذ على ما لدى الغير من مصالح مالية، أو دفع رِشَا، أو تزوير، أو تحايل على الأنظمة والقوانين التي تحدد الحقوق والواجبات على ممتهني العمل المالي والتجاري.
وكثيراً ما يتم نشر مثل هذه الأخبار والتقارير وتداولها حتى باتت أمراً شائعاً، إلا أن ما يلاحظ أنها كسيت بثوب العادة، وأسْتُمرِأت كلمة الفضيحة حول أي مخالفة مالية وكأننا في حالة فضح أو تشهير أو ملاحقة لهذا المخالف، إلا أن الأمر في نظرهم أصبح على النقيض تماما فهو في اعتقادهم من متمات التذاكي على الناس، واستغفالهم باسم الفرصة السانحة، لكسب ما في أيديهم، أو نهبها بعبارة أدق.
فما يقال عنها الآن (فضيحة مالية) قد تتعدى فكرة هذا المنطق المحدد، والذي كان منذ قرون لا يتعدى أمر الفضيحة الشخصية لإنسان كشفت خبايا حياته، لا سيما حينما يكون موسوما بأي مخالفة، أو خارجا عن الأعراف والمسلمات المتوارثة، أما أن تتحول “الفضيحة” إلى صفة أو “لزمة” مالية متبعة في أنظمة المال الجديدة فهو ما يستحق التأمل والمناقشة.
فمن يطالع هول ومصائب ما يتم ارتكابه من تجاوزات في مجال المال العام لا سيما النهب أو الاستحواذ على قوت الناس ومدخراتهم المالية حينما تذهب أحلامهم أدراج الرياح، وأموالهم إلى جيوب هؤلاء المنتفعين والجشعين الذين أعمت المادة قلوبهم، وحينما يتم اكتشاف مثل هذه الحالات من قبل الجهات المختصة تدرج في خانة الفضائح المالية التي قد يهرع إليها الكثير من المحاسبين والمحامين للخروج من هذا المأزق، وغالبا ما يكون على حساب الطرف الأضعف المتمثل في الإنسان البسيط.
فأمر نهب الأموال والتغرير بصغار المستفيدين، ونصب الحبائل في مساهمات وتكتلات مالية هي أقل بكثير من وصفها فضائح إنما هي فضائع ترتكب بحق الناس، لأن الأمر مع الوقت للأسف يصبح مجرد تكهن حتى وإن أطلق عليه مسمى فضيحة مالية.
بل إن ما يقال عن فضائح أو فظائع سرعان ما تغيب ويصبح الأمر عاديا وقضية عابرة لا تلبث إلا وتنطفئ و”تعود حليمة إلى عادتها القديمة” كما يقال في أمثال العرب.. فلم نر أن طَلَّتْ مثل هذه الفضائح وجوه أهلها بالخزي والعار، إنما نراهم وقد ظهروا أمام الكاميرات والفلاشات وهم أكثر نضارة ليتحدثوا عن ما يزعمون أنها شطارة، وأن هذه الفضائح ما هي إلا زوابع عبرت ودهست في طريقها نبل المشاعر والقيم!!
أما أمر الفضائع فإنه متروك لحجم ما يتركه هذه التجاوز والأذى من نهب وسلب على هؤلاء البسطاء الذين تذهب أرزاقهم ومدخراتهم، بل أن بعضهم قد يرتكب فظائع أكبر حينما يشنق نفسه، أو يحرق جسده أمام بنك أو مركز مالي سرق جهده وماله ومدخراته على مدى أعوام.
فقد تكون كلمة فضيحة مواربة ومجرد شك أو شبهة، أما الفظائع فهي ما سيأتي لا حقا بعد أن تسوى الأمور وتنتهي في جيبه، أو رصيده، لتتحول من جرم واضح إلى مجرد شبهة أو اشتباه !!
hrbda2000@hotmail.com