هلّ علينا شهر رمضان، شهر الصيام، شهر الخير والبركات، شهر تتضاعف فيه الحسنات، ميّزه رب العالمين عن باقي الشهور بأن جعل أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، كما اختصه سبحانه بفضائل عظيمة ومكارم جليلة، قال تعالى {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيه الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (185) سورة البقرة.
نحمد الله أن بلّغنا جميعاً هذا الشهر الفضيل بفضل من عنده ونحن في صحة وعافية وأمن وإيمان، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، فسبحان الله، ما أشبه الليلة بالبارحة، وما أسرع مرور الأيام والشهور، ففي العام الماضي كنا نودع شهر رمضان بألم وخفقات للقلوب وآهات على وداعه، وها نحن نستقبله بحمد الله وشكره بالفرح والبهجة والسرور عاقدين العزم على نيل أجره وفضله باستغلال أيامه ولياليه وجني ثماره بحول من الله وتوفيقه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كَانَتْ أَوَّلُ لَيْلَة مِنْ رَمَضَانَ فتّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهنّم، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وينادَى مُنَادٍ: يَا بَاغِي الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِي الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّه عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ»، فقد كان صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رضوان الله عليهم يدعون الله أن يبلغهم شهر رمضان لمدة ستة أشهر، قال معلّى بن الفضل رحمه الله»: «كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان! ثم يدعون ستة أشهر أن يتقبل منهم».
وقال يحيى بن أبي كثير رحمه الله: «كان من دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلاً».
وللصيام فوائد كثيرة؛ فهو طُهر للقلوب، وصفاء للأنفس، وتعوّد على الصبر، وضبط للنفس، ووقاية من الأمراض، وينمي عاطفة الرحمة، وروابط الألفة، والتسابق لفعل الخيرات..
ومن المؤسف أن هناك من الظواهر السلبية التي اعتاد عليها بعض من الناس في شهر رمضان، كالمبالغة في الإسراف والإفراط في إعداد أصناف الأطعمة على مائدة الإفطار، وكأن هذا الشهر خُصّص للإكثار من الطعام والشراب، وفي النهاية ترمى بقية الأطعمة في حاويات النفايات، ونسوا أن هناك من هو أقل منهم أو من ليس لديه مال أو من لا يجدون ما يسد رمق جوعهم وعطشهم، قال تعالى: {وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّه لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (141) سورة الأنعام، فكأن شهر رمضان موسم للإكثار من أصناف الطعام والشراب، وليس للتعبد والصيام وقراءة القرآن، فشهر رمضان فرصة عظيمة للتغيير في السلوك والعبادة والخُلق والتقرب إلى الله، فلنجعل صلتنا بخالقنا تزداد قرباً، وأن يتحرك دافع التغيير الكامن في النفس بالعمل الجاد وقوة الإرادة والعزيمة في هذا الشهر من أول أيامه ولياليه، ونستغل ساعاته وجميع لحظاته، وأن تستمر الصلة بالله طيلة أيام السنة، وهذا هو التغيير الحقيقي حتى ننعم برضاه سبحانه ونفوز بخيري الدنيا والآخرة، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لصيامه وقيامه وأن يعتقنا من النار ووالدينا وجميع المسلمين. وكل عام وأنتم بخير.