سأبقى أتذكر دائما بكل الاحترام والتقدير قيادي تربوي سابق من طراز نادر، كان هو الرجل الثاني في وزارة التربية في إحدى حقبها. تخرج هذا القيادي التربوي المرموق من إحدى الجامعات الغربية، وهو ذو عقلية تربوية منفتحة، ويتمتع بنظرة احترافية عالمية إلى التعليم، مع احتفاظه الشديد بأصالته وهويته الوطنية.
ومع أنه كان الرجل الثاني في وزارة التربية إلا أن القليل من منسوبي التعليم يعرفه، وكان من النادر جدا جدا أن ترى صورته في الإعلام.
فهو يؤمن بالعمل الجاد دون لجاج وبهرجة.
كان يفكر خارج الصندوق، طرح مشروعاً تربوياً شكّل منعطفاً ومفصلاً في تعليمنا العام وتعليمنا الثانوي تحديداً, مشروع التعليم الثانوي الذي طرحه لم يكن يعد الطالب للجامعة فقط، بل يعد الطالب للحياة.
وكان من أهم مكونات هذا المشروع دخول المعدل التراكمي في المدرسة الثانوية لأول مرة، وتحمل الطالب جزءاً كبيراً من مسؤولية تعلمه، ومنح الطالب الفرصة ليختار ما يناسبه من المقررات والتخصصات الجديدة، ولقد تضمنت مناهج ذلك المشروع مقررات نوعية جديدة ذات صبغة أكاديمية ومهنية وتطبيقة.
لكن أصواتا معارضة محافظة ظهرت لتطالب بإلغاء هذا المشروع من أساسه، أجرى هذا القيادي التربوي تعديلا جديدا على مشروعه التربوي لكي يحظى بقبول معارضيه إلا أن مشروعه تم رفضه جملة وتفصيلا.
قرر عندئذ هذا القيادي أن يخرج من مكتبه بهدوء وبلا عودة، ولم تفلح كل محاولات إقناعه بالعودة.
وتدور الأيام وها نحن نعود إلى أفكاره.
أستاذ التربية بجامعة الملك سعود