لكل مرحلة سفهاؤها، وسفهاء مرحلتنا يختلفون عن سلفهم بصفات رنانة وفرص ومجالات ومسارح وخطب ومواعظ ومواقع ومنتديات وتويتر وفيس بوك وواتس اب وأشكال وهيئات وألوان وصفات ومانشيتات يدسون من تحتها سفههم،
فلا تستغرب أنهم يضعون أنفسهم موضع القضاة، وينزلون بها منزلة المهرجين، ويرفعونها إلى شفاعة الصفات المقدسة، ولا ينبغي أن تتفاجأ من السفيه، في مرحلتنا الحرجة، أن يخرج على أدب المخاطبة والاختلاف، وعلى ثقافة الجدل والنقاش، ويتجه إلى السب طريقا قصيرا إلى الشهرة، والى إطلاق الاتهامات والظنون سبيلا في المزاحمة، وقد تطيش نوازعه إلى إحراج أصحابه، وإرباك أهل بيته، والى خيبة المراهنين عليه، فالسفيه أول من يركب الزلات، وآخر من يقدر النتائج وسفهاء المرحلة يختارون عناوين سفههم من طراطيش الأحداث، لا من حقائقها، ولا يهمهم أن يكون كلامهم هذرا ينأى عن موجبات الانضباط والتزام الحكمة، فهم أبعد ما يكونون عن سلامة النيّة، وعن نظافة الهدف، وعن احتساب النتائج، وتـَحَسّب الردود، ولا يبالون أن يكون هذرهم فضيحة لهم بعد ذاك، وأن تكون معاركهم مردودةً عليهم في نهاية المطاف، وهم، في كل الأحوال يكسبون إطراء من هم على شاكلتهم، ولا يدخل ذلك في رصيد، ولا يُحسب في سمعة السَفَهْ، يقول الجاحظ في “تهذيب الكلام” نقيض الحلم، وهو الطيش والسرف في إيقاع الضرر، والسّبّ الفاحش، وعند الجرجاني في كتابه (التعريفات) عبارة عن خفّةٍ تَعْرض للإنسان فتحمله على العمل “بخلاف العقل وموجب الشّرع” أما في اللغة، فان السفه والسفاهة والسفهاء في جميع القواميس والمناجد والصحاح مزاولة
الكلام والسلوك خارج الشعور بالمسؤولية والاستعداد لتحمل التبعات، فإذا سفِه فلان فقد صار سفيها، والاشتقاق مأخوذ من كلمة(س.ف.هـ)الّتي تدلّ على الخفّة والسّخافة، ومن ذلك قولهم ثوبٌ سفيهٌ أي رديء النّسج، وتسفّهتْ الرّيح إذا مالت، والسّفه ضدّ الحلم، وقال بعضهم: أصل السّفه: خفّة الحلم. وقيل: السّفه: خفّة في البدن، ومنه قيل: استُعمل السفه في خفّة النّفس لنقصان العقل، وقيل: أصل السّفه، الخفّة والحركة والطّيش، وقيل: الجهل والاضطراب، وكذلك، سَفـِهتَ الشّراب إذا أكثرتَ منه ولم ترو، وسفـِه فلان على فلان فقد انحرف إلى نوع من الجهل، فهو سفيه، أي جاهل، والسّفيه أيضا:الخفيف العقل ، وقد فرّق المناويّ في كتابه “التوقيف على مهمات التعاريف” بين السّفه والسّفاهة: فعرّف السّفه بما عرّفه به الجرجانيّ، ثمّ عرّف السّفاهة بخفّة الرّأي حيال رأي مقابل من المتانة والقوّة ويعرف المهتمون بهذا الأمر بان “أذلّ الناس سفيهٌ لم يجد مُسافها له” في دعوة حكيمة انْ لا تردّوا على سفاهات السفيه، ويقال أيضا، السفيه هو من لا سفيه له، بمعنى لا سفيه مثله يرده عن سفهه، فالسفه في السفيه أصل، بينما في المتصدي للسفيه حالة طارئة يلجأ إليها إذا لزم الأمر، وثمة الكثير ممن يتطاول عليهم السفهاء ينأون على الرد عليهم أخذاً بحكمة الشاعر الذي يقول:
سكتُّ عن السفيه فظنّ اني
عييت عن الجواب وما عييتُ
أو قول آخر:
متاركة السفيه بلا جواب
أشدّ على السفيه من الجواب
ramadanalanezi@hotmail.comramadanjready @