|
بعد مجموعتين قصصيتين الأولى بعنوان (ربما غداً) والثانية (أقواس ونوافذ) .. أصدرت الأديبة والقاصة السعودية شيمة محمد الشمري كتابها الثالث بعنوان (شاعر الجبل) عن دار المفردات للنشر والتوزيع في المملكة العربية السعودية، وجاء الكتاب في 328 صفحة من القطع الوسط، وفي ثلاثة فصول، وكل فصل تجزأ إلى عناوين فرعية وتحت مسمّى المبحث.
بدأت شيمة بعرض موجز للحياة الثقافية الحافلة التي عاشها الشاعر في منطقة عسير ودور المكان في التحكم بنبض القلب وخلق الحالات، وجاء الفصل الأول عن حياته وتكوينه الثقافي وكتبه ,كما خصصت الكاتبة الفصل الثاني لموضوعات شعر العسيري المتعددة والمتنوعة، والتي تكاد أن تكون شاملة في الإحاطة بالتفاصيل، أما الفصل الثالث والأهم في الكتاب فكان مخصصاً ومكاناً للدراسة الفنية والنقدية البنّاءة، فمن بناء القصيدة واللغة والصورة الفنية والإيقاع مروراً بالدفق الشعوري والأحاسيس والمشاعر.
كتاب شيمة الجديد عبارة عن دراسة نقدية وتحليلية مفصّلة عن حياة وشعر الشاعر السعودي علي آل عمر عسيري (شاعر الجبل), وتقول في مقدمة كتابها:
كانت صلتي بالشاعر علي آل عمر عسيري توطّدت يوم إعلان وفاته المفاجئة التي صدمت الوسط الثقافي والإعلامي والإبداعي ليس في المملكة العربية السعودية ، بل وفي الوسط الثقافي العربي، لقد عدت عند وفاته - رحمه الله - إلى دواوينه للنظر فيها، وكنت مع مرور الوقت أزداد قناعة بأنّ هذا الشاعر جدير بالدراسة ، فهو صاحب مبدأ، ولئن مثلت الوطنية موضوعاً أساسياً في شعره،..... ولم يكن علي آل عمر الشاعر ليغيب عن الإعلامي الذي خاض غمار العمل بجدارة وحكمة.
تعتبر الشمري أن آل عمر لم يبتعد عن البسطاء والعامة والموهوبين المتوارين من الناس؛ لأنه قريب من السلطة كما يفعل البعض، بل كان قريباً من الجميع، كما يشهد بذلك كل من عرفه عن قرب.
إن تجربة علي عسيري الشعرية والاجتماعية الحافلة والغنية بالمواقف، أغرت شيمة للوقوف أمامها طويل لتكتب بقلبها وروحها وعقلها الأكاديمي الفذ والخلّاق دراسة نقدية، حيث إنها بحثت في دواوين العسيري وأوشكت أن تتحدث مع الحروف وجسّت نبض الكلمات ومسحت عنها التعب حين عبرت على مقربة من القلب، وتحسست الأماكن والقمم الخارقة الجمال بين طيات القصائد، ولأنّ تجربتها النقدية العالية ونظرتها الجمالية للأدب لا تدع مجالاً للشك في إمكانياتها الكتابية والإبداعية، فقد كتبت رؤيتها النقدية، وسعت الناقدة من خلال هذا الكتاب إلى الإحاطة بتجربة مليئة بالأصالة والحداثة معاً.
إن اختيار شيمة لهكذا قامة شعرية كموضوع للبحث، ولدراسة تجربته نقداً، إنما فيه من الذكاء ما له من مغامرة صعبة جداً ولم يسبقها إليه أحد، لأنّ الشاعر أخذ حيزاً من الزمن أطاح من خلاله بالكثير من جوانب الحياة والعلاقات المتعددة والمعقدة، وهو يعد من الأصوات الحداثوية القليلة في ثمانينات القرن الماضي كما أنه يحمل من الأصالة، تلك التي تصل حتى النخاع. كم نحن بحاجة إلى هكذا جدية وأكاديمية في حين تغرق الرفوف بالفوضى والتخبط، لقد أضافت الكاتبة شيمة الشمري درّة وجوهرة إلى مكتباتنا العربية عبر كتابها هذا، وهو يعدّ مرجعاً لا يمكن تجاوزه أو الاستغناء عنه لمن يبحث الإبداع الحقيقي.
- أحمد النواف الجربا