اليوم نحتفل إذ يهل على مرابعنا هلال رمضان الكريم؛ فكل عام وأنتم جميعاً ومن تعزون بألف خير وصحة ورضا.
وكل عام يفترض أن رمضان يجمعنا مع ملياري مسلم في موسم عبادات وصيام وقيام وتواصل، استمر منذ أول ظهور للإسلام. وحين سُنّ صيام رمضان ركناً من أركان الإسلام لم يكن المسلمون إلا مجموعاً صغيراً بين مكة والمدينة، لا بد لبقائهم من التكافل وروابط الشعور بمسؤولية القوي القادر عن الضعيف المفتقر للقدرة. كان المفهوم التكافلي عميقاً، والقصد منه نبيلاً وسامياً، جعله ركناً أساسياً من أركان الإسلام، وهو ألا يفقد المؤمن بالله وعي صلته بالبشر المؤمنين مثله ومسؤولية كلٍّ عن الآخر. وتنامى المجتمع الإسلامي مساحة وأعداداً, والصيام مفروض على كل مسلم لكي يشعر المكتفي بحاجة من لا يملك ما يسد به احتياجاته البشرية المتعددة, وأولها وأبسطها القوت والطعام.
لم يكن الأمر يتعلق فقط بالصيام عن تناول الطعام بين شروق الشمس وغروبها, بل كان الصيام يعني امتناع المسلم الصائم عن كل الموبقات والآثام، وأولها الأفكار غير السوية، التي قد تحبب إلى المسلم الإضرار بالآخرين بدءاً بالغيبة والنميمة, وتصاعداً إلى الحسد والكره والتخطيط للإضرار بالآخر. هكذا يتجلى رمضان كموسم لنقاء القلوب وتطهير النفوس من أدرانها والقرب من الله.
الآن, ونحن ننتشر في كل أصقاع الأرض التي سخرها الله لنا, أكثر من ملياري مسلم يتكلمون عشرات اللغات, مطالَبون بأداء العبادات نفسها والالتزام بالقيم نفسها. يفتقد أغلبنا الشعور بمعنى رمضان والصيام الحقيقي. يعيدون المرور به عاماً بعد عام بصورة غير تلك التي ابتدأ بها في مفهوم أسلافهم. يمارسونه الآن مختصراً مختزلاً في الامتناع عن تناول الطعام لساعات معدودات، ثم تعويض ذلك بالتهام كميات فوق العادة من الطعام والشراب.
أما ما يتعلق بنقاء القلوب والنفوس فليس مهماً أو حتى مطروحاً من قِبل الكثيرين للتفكير به جدياً كخيار ذاتي.
سندخل رمضان ونحن كمجموع نسمى «مسلمين»، وربما يجمعنا ما نعاني من رفض الآخرين لنا كمجموع تشمله وصمة تطرف البعض منا في رفضه الآخرين إلى حد استعداء الغير ضد كل من يصنف مسلماً.
والأصعب من كراهية الآخرين لنا أن نرى بُعدنا نحن كمجموع عن روح الإسلام وتعاليمه السامية حين تستشري بيننا فتن التفرقة والخلاف وتحقير بعضنا للبعض، ونعاني من تأثير علل التسيس والأدلجة والتجهيل التي تحلل الإقصاء والتكفير والتدمير, وتتغاضى عن تهميش المستضعفين أو إذلالهم.
ربما هو وقت التذكير: رمضان ليس للانشغال بتحريض المسلم ضد المسلم أو غير المسلم, ولا بالتخطيط لتدمير أحد قريب أو بعيد، ولا لتنفيذ ذلك مع الإصرار على الاحتفاظ بتصنيف «مسلم».
رمضان للخشوع والتقارب والشعور بالأخوة الإنسانية التي تحنن قلوبنا على القريب والبعيد, حتى لتحبب إليه أن يختار الانضواء تحت هذا الدين الرائع.. دون حاجة لإقناعه بمثاليات وقيم يراها واضحة في تصرفاتنا وممارساتنا على أرض الواقع.
كل عام ونحن أقرب إلى الإسلام الصحيح الجامع للجميع.