ذكر الله التفاخر بيننا في كتابه العزيز، أنه التباهي والتنافس والاستعراض، وإظهار أننا أفضل وأحسن من غيرنا، فها نحن اليوم نتفاخر ونتباهى بأولادنا وأموالنا وسياراتنا وبيوتاتنا ومزارعنا واستراحاتنا، بل وصورنا وأعراقنا وأنسابنا، وفي الصيف يتفاخر الناس بالسفر والأسفار، خارج المملكة فهم يتفاخرون بأنهم يسافرون إلى أوربا أو أمريكا أو شرق العالم، ولا يكفيهم مجرّد الخبر والإخبار، بل يوثِّقون ذلك بالصورة والتصوير، فيصوِّرن كيف يذهبون وكيف يجيئون، ومتى يأكلون ومتى يشربون وكيف ينامون في صورة حيّة تنقل عبر التقنية الحديثة، وكأنهم يقولون لمن لم يسافر أنهم يعيشون في نعيم لا يماثله نعيم، إنه تفاخر وتباهٍ وتمثيلٌ للسعادة في أحسن صورها، وكأنهم يقولون أيضاً نحن خير منكم مقاماً وأنتم في المملكة شر مكاناً، وكأنهم يقولون السعادة في شكل ومظهر ومركب ومسكن، وأنها في جو بارد، ونهر جار، وشجر وافر، وكأنهم يقولون افعلوا ما فعلنا إنْ أردتم السعادة فهي هناك في اللهو واللعب والتفاخر والتكاثر، أيها الإخوة إن التفاخر بالسفر وإرسال الصور وبثها ونشرها بهذه الصورة، ونقل كل دقيقة وجليلة مما يفعله المسافر لأناس آخرين لا يسافرون، فيها محاذير كثيرة وأضرار عديدة :
1ـ أنه تفاخر وتنافس مذموم على شيء من حطام الدنيا وزينتها.
2ـ كسر قلوب أولئك الذين لا يستطيعون السفر لأسباب عدة كعدم القدرة المادية أو عدم القناعة أو من أجل المحافظة على أنفسهم وأولادهم.
3- تشتيت بعض الأسر لغيرتهم ... الخ، وكلنا يعرف بأنّ الشريعة حرمت آنية الذهب والفضة لمقاصد حسنة منها عدم كسر قلوب الفقراء، وقد تحمل هذه الصورة المرسلة بعض الأسر الفقيرة على السفر إرضاءً لأولادهم وهم يشكون قلّه المادة، فيستدينون ويقترضون والسبب تلك الصورة والمشاهد التي بعثها فلان وفلانة عبر جوالاتهم.
4ـ قد تكون الصورة سبباً في حسد أو عين فيضر نفسه بنفسه، ومن التفاخر الحاصل اليوم التفاخر بالأطعمة وأنواعها فيقومون بتصويرها ويبثون ذلك في المجتمع، ومن التفاخر التباهي بالأواني والمباني، وكذلك بالأولاد كأن يفاخر بابنه الذي يدرس في أمريكا وليس في الخبر وبثه كبير فائدة، ومن التفاخر المذموم التفاخر بالمال، فيفتخر براتبه وسياراته وعقاراته ومبانيه ومزارعه ... إلخ، قال الله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (20) سورة الحديد.
أسأل الله أن يرزقنا القناعة ويديم علينا نعمه التي لا تُعَد ولا تُحصى.