أمام هذه الخيارات الصعبة الآن التي تواجهها الأمة العربية والشرق الأوسط في مرحلة حساسة من تبدلات ومواجهات ومسائل معقدة بحاجة لحل أو أقلها أن نضع أقدامنا على يابس آمن وسط كل تلك الهيجانات غامضة الهوية والهدف. فلو نجح في ذلك المثقف أو السياسي فلا أمل للعامي في ذلك. مما يضعنا قبالة عملية قسرية من (حجبٍ للعقل). لأنه وسط كل هذه الآراء المتباينة والتحليلات المتضاربة التي يقدمها الإعلام على طبق من ذهب، أو يغرد بها المثقفون والناشطون في تويتر، هناك (عاميّ) يعتبر أن تلك المصادر هي الحقيقة بذاتها. رغم اختلاف قنوات الإعلام وتنافر المعلومة من مصدر لآخر. للحد الذي يجعل وجود عقلين متشابهين في التعاطي مع ما يجري في مصر اليوم أمراً مستبعداً في البيت الواحد!. فتارة يكون الثوار في ميدان التحرير و المطالبون لاسقاط شرعية الرئيس مرسي هم مجرد (فلول النظام السابق و بلطجية و أقباط) بينما يمثل الأخوان الإسلام الحقيقي. و تارة يظهر أن الأخوان فكرة أمريكية محضة جابهها الشعب المصري حر الإرادة بالرفض و الإسقاط. فكرتان متضادتان تماماً عن معطى واحد وهو: (اسقاط شرعية رئيس مصر).
و كالعادة ليس همّي هنا سياسياً بقدر ماهو إنساني، لذاك.. و بما أنه لايمكن لأمر أن يكون باطلا و حقاً في نفس الوقت. فإن أحد التحليلين هو الصواب و الآخر باطل بالضرورة. فما الذي يحرض عقلا ما على الاقتناع بالباطل على أنه حقٌ؟ ليس هذا وحسب بل يمتلك من اليقين ما يحثه على تجنيد نفسه في صفوف الدفاع عما يعتبره حقا، مضحيا بجهده و وقته و ربما بروحه في سبيل إيمانه ذاك!. الجواب متشعب و واسع يمكنني أن اختصره في أربعة أذرع لاختطاف العقل:
ـ الطفولة و قوة المعلومة الاولى: إن تلك المعطيات التي نـُلقن بها أولاً هي من تكوّن مغناطيسنا الفكري لجذب أفكار شبيهة. لذاك فإن العقل عادة يختار مما حوله من المعطيات ما يكون ملائما لنسقه.
ـ الجهل المركب: تلك الرمال المتحركة التي ما أن تقبض على الضحية حتى تزيده غرقاً على غرق دون أمل بالنجاة. لأن الجهل المركب هو أن لا يُعرف بوجود (الجهل) مما يفرغ كل محاولات الإنقاذ و النجاة. و الطريف في الأمر أنه في الغالب تنشأ من وراء الجهل المُضاعف هذا تطرف و قمع و إقصاء و استفراد بالحقيقة!
ـ القهر: إركاس العقل في دائرة من القهر تفرض عليه درجة أقل من الفهم و الإدراك و تُسلم زمامه لمن هو أعلم و أقدر. دائرة يكون فيها (قاهر) يفرض نفسه كمهيمن على الفكر و (مقهور) واقع في مغبة التقديس و التبجيل يقوم بتغذية عكسية تضخ عُجباً و إفاضة في القهر من جهة المهيمن.
ـ التجهيل: و قد تكون هذه النقطة مرتبطة بالتي سبقتها بحيث وجود سلطة خارجية مهمتها الحفاظ على الوعي في حالة اختطاف دائم إما لمصالح شخصية أو طائفية أو سياسية. بطرق مختلفة تهدف كلها لأن يكون العقل أبعد ما يكون عن اكتشاف الواقع على عواهنه. يقول برهان غليون: ( إن من خصائص المنهج السجالي حَجب المسائل الحقيقية أو تضييع جوهرها، والقفز عليها عن طريق الخلط بين قضايا و مطالب ليست واحدة، و لا تصدر واحدتها ضرورة عن الأخرى، أو استبدالها بقضايا جانبية تبعد النقاش عن هدفه العلمي و تحرفه عن مقاصده الأساسية.
kowther.ma.arbash@gmail.comkowthermusa@ تويتر