جلس الدكتور مرسي على كرسي الرئاسة وهو يرفع شعارات الثوار، حرية، كرامة، عدالة اجتماعيَّة، وشرع يرسم ثلاثة مسارات متوازية لتحقيقها؛ مسار إعلامي يتمثَّل في حرية التعبير، مسار اقتصادي يتمثَّل في جلب الاستثمارات الخارجيَّة ولكن دخولها إلى البلد كان مرهونًا بالاستقرار،
وأحد أهم مؤشرات الاستقرار التي يطمئن لها الاستثمار الأجنبي حصول ذلك البلد على قرض من صندوق النقد الدولي، وللحصول على القرض المتوافق مع الشريعة الإسلامية أنتجت هيئة الإفتاء في تنظيم الإخوان فتوى حصرية للقرض تجعل الفائدة مصاريف إداريي وما زاد عن تلك النسبة التي يطلبها القرض من الرِّبا المحرَّم؛ والمسار الثالث مشروع المساواة الاجتماعية ارتأت الرئاسة تحقيقها بضرورة تطهير أجهزة الدولة من الفساد بإحلال كفاءات جديدة بديلاً عن رجالات النظام السابق أو كما يسمى في علم الإدارة بالهيكلة.. مع مرور الوقت برز التَّباين في مقدار الإِنْجاز لتلك المسارات المتوازية والمتزامنة، فظهر تقدم ملحوظ في مسار الهيكلة، بينما انقسم المسار الإعلامي إلى قسمين؛ خطاب مدني يدافع عن أهداف الثورة، وخطاب إقصائي لا يتردَّد عن تكفير الآخر يدافع عن أهداف تنظيم الإخوان بثوب ديني يكسب عاطفة المسلم البسيط، وتدهور ملحوظ للوضع الاقتصادي أبرزها أزمة البنزين الخانقة والانقطاع اليومي للكهرباء بسبب أزمة السولار، وعملت الهيكلة المزعومة لتطهير الحكومة من الفساد على تزايد نفوذ أعضاء التنظيم على حساب نفوذ مختلف القوى السياسية الأخرى، وظهرت مؤشرات للشعب المصري أن هناك احتواءً ممنهجًا لمواقع صناعة القرار في الدولة ينتهي دائمًا بتعيين أعضاء من تنظيم الإخوان، وكأنما شرط في السيرة الذاتية لِكُلِّ مدير تنفيذي أن يكون عضوًا في تنظيم الإخوان.
أدرك الشعب المصري تدريجيًّا أن الأوليات لدى الرئاسة ليست الأهداف الوطنية وإنما تحقيق أهداف تنظيم الإخوان، فخرجت الحشود من الشعب المصري إلى الميادين والشوارع، تطالب بانتخابات رئاسيَّة مبكِّرة في مظاهرات سلمية مهيبة بحسب جوجل بلغت 33 مليونًا، وفي المقابل خرج مئات الآلاف من اتباع تنظيم الإخوان يطالبون ببقاء الرئيس مرسي في كرسي الرئاسة حتَّى نهاية فترته الرئاسيَّة، وعندما اصطدمت عقيدة الدولة المدنية الواضحة التي يحملها شباب الثورة المصرية مع العقيدة الغامضة التي تبطنها جماعة تنظيم الإخوان كان لا بُدَّ لأحدهما أن تزيح الأخرى لتمضي الحياة في حركتها إلى الأمام.
الخلاصة خلال مظاهرات الشعب المصري برز التَّباين الواضح بين الشخصيَّة التي تجسِّد المعارضة للرئيس والشخصيَّة التي تجسِّد التأييد للرئيس، الشخصية الأولى تتعاهد بالصمود والاعتصام في الميادين تحت شعار حرية وكرامة وعدالة اجتماعية، بينما الشخصية الثانية تتعاهد بالصمود والاعتصام تحت شعار سفك الدِّماء منها على سبيل المثال: اللى يرش الريس بالميه نرشه بالدم، موتانا في الجنة وموتاهم في النار، على أجسادنا ورقابنا، رؤوس أينعت وحان قطافها، بل إن خطاب الرئيس قبيل ساعات من إنهاء خدماته قال فيه: أنا الشرعيَّة أو الدم، كما ظهر على موقع تنظيم الإخوان على الإنترنت صورة لبعض من أعضاء التنظيم وهم يحملون أكفانهم تحت عنوان مليونية الشرعيَّة خط أحمر..
العالم الغربي وهو العريق في الديمقراطية، يمنع العبارات السياسيَّة أو المذهبية المباشرة وغير المباشرة التي تُحرِّض على القتل وسفك الدِّماء وتسوق فاعلها إلى السجن تحت طائلة القانون، وقد اشتهر اليمين المتطرِّف الفاشي بهذه العقيدة الدموية في سبيل تحقيق أهدافه العنصرية التي تقصِّي كل الأعراق وسيادة عرقه، فجعلته الديمقراطية من المذاهب المحظور عليها ممارسة النَّشاط السياسي.
khalid.alheji@gmail.comTwitter@khalialheji