من القضايا المهمة التي يثيرها المهتمون بدراسة ومعرفة الآثار التي تتركها التنمية الاقتصادية على العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع الواحد والأسرة الواحدة ما لوحظ من ضعف ترابط تلك العلاقات في المجتمعات التي حققت تنمية اقتصادية في العقود الأخيرة.
من ضمن تلك الدول تأتي الصين كدولة حققت معدلات عالية من التنمية الاقتصادية. فقد طغى الخبر الذي تداولته مؤخراً وسائل الإعلام في العالم عن قرارٍ حكومي صيني يُلزِم الأبناء بزيارة والدِيهم والاهتمام بهما على العديد من الأخبار الأخرى رغم ما يموج به العالم من أخبار وتطورات واضطرابات سياسية وأحداث ساخنة.
لقد لاحظت الحكومة الصينية أن الأبناء لم يعودوا يهتمون بوالديهم كما كان الحال في المجتمع الصيني سابقاً وهو مجتمع شرقي يميل إلى المحافظة والتمسك بالتقاليد. وقد أصبح من الشائع أن يأخذ الأبناء والديهم إلى دور العجزة وتنتهي العلاقة بين الأولاد والوالدين وتقتصر اللقاءات على المناسبات التي قد تحدث مرةً في السنة أو مرة في الشهر أو غير ذلك من المناسبات العارضة.
ومما يزيد من حدة معاناة الوالدين هو أن الحكومة الصينية كانت قد طبقت قبل سنوات قانوناً ينص على أن لكل أسرة الحق في أن تنجب طفلاً واحداً لا أكثر!.. وكانت النتيجة اختفاء محزن لظاهرة إنسانية عرفتها البشرية منذ الخليقة وهي أن يكون للإنسان إخوان وأخوات! فالإنسان الصيني، بسبب هذا القانون الذي قُصِد به مكافحة التفجر السكاني، حُرِم من أن يكون له أخٌ أو أخت. وإذا صار طفُله الوحيد عاقاً فهو سيجد نفسه في حالة ضياع كبير في دار العجزة عند الشيخوخة.
لقد حددت الصين عدد الأطفال للأسرة الواحدة لأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى اعتقاداً منها أن تزايد عدد السكان سيلتهم أي زيادة في الإنتاج مما سيعيق جهودها لرفع مستوى المعيشة في البلاد. وقد حققت الصين نمواً اقتصادياً كبيراً قد لا يكون بالضرورة بسبب تحديد النسل فقط وإنما أيضاً بسبب السياسات الاقتصادية التي اتبعتها الحكومة الصينية بعد تخلصها من السياسات الاقتصادية السابقة التي استنفدت أغراضها بعد انتهاء النظام الطبقي الإقطاعي في البلاد.
الشاهد، هنا، أن التحذيرات التي ظل علماء التنمية الاقتصادية والاجتماعية يرفعونها على مدى عقودٍ طويلة عن الآثار السلبية الاجتماعية التي قد تصاحب التنمية الاقتصادية ثبت أنها جديرة بأن تؤخذ على محمل الجد. وليست الصين هي المثال الوحيد، فما حدث في الصين من تمزق في العلاقات الاجتماعية والعائلية حدث قبل ذلك في اليابان وفي دول أخرى عديدة؛ وهو أمر يدفعنا إلى الانتباه إلى ما يحدث من تغيرات جذرية في مجتمعنا في ظل التغيرات الاقتصادية والتنموية الكبيرة التي شهدها ويشهدها وطننا.
alhumaidak@gmail.com - - - alawajh@ تويترص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض