مهما كان موقفك من التيارات السياسية التي تخاصمت وتجاذبت على حكم مصر حتى أوصلت ذلك البلد المسالم الذي لم يعرف أهله تصفية حساباتهم بالقتل، إلى نفق مظلم لا يعلم إلا الله أبعاده وتداعياته؛ لهذا مهما كان موقفك فلابد وأن تؤيد ما أقدمت عليه القوات المسلحة المصرية التي استجابت لمطالب الملايين من الشعب المصري الذين خرجوا إلى الساحات والميادين في القاهرة والمحافظات المصرية، والتي ذكرت مصادر مصرية أنها وصلت إلى أكثر من 30 مليون متظاهر كانوا يطالبون بعزل الرئيس السابق محمد مرسي وإنهاء حكم الإخوان المسلمين.
هذه الاستجابة لمطالب الجماهير والتي شكلت كتلة تظاهرية لم يسبق لمصر أن شهدتها، ولهذا فإن القوات المسلحة قرأت المشهد بدقة وفهمت أن عدم الاستجابة لرغبة هذه الكتلة الجماهيرية سيهدد السلام الاجتماعي في مصر والأمن الوطني وسيدمر البلاد ويمزقها، وإذ لاح وبوضوح انقسام الشعب إلى فريقين اقتربا كثيراً من المواجهة بل حصلت اشتباكات سقط فيها العديد من الضحايا، ولهذا كان لزاماً على الجيش أن يتحرك، رغم أن هناك جزءاً لا يستهان به من الشعب المصري لا زالوا يؤيدون الرئيس السابق محمد مرسي، إلا أن الجيش فضل مصلحة مصر العليا وانحاز لرغبة الجماهير التي شكلت الأكثرية والغلبة، وكأنه تجاوب مع (الموجة الثانية) من الحالة الثورية التي تعيشها مصر، فالشباب المصري الذين شعروا أن ثورتهم التي فجروها في 25 يناير قد سرقت، وأن فصيلا سياسيا وتيارا بعينه يهيمن على الحالة السياسية ويضيق على القوى الثورية الأخرى التي شاركت في الموجة الأولى للثورة.
وهكذا توافقت مطالبات الشباب ورغبات الجماهير مع المسؤولية الوطنية للجيش لتصنع الثورة الثانية.
هل يعد هذا عملاً مشروعاً، أم انقلاباً عسكرياً كما يردد أنصار الرئيس السابق محمد مرسي..؟!!
رغم أن لا أحد يحب تدخل الجيش في العمل السياسي، إلا أن التأييد والفرح الذي عم الأراضي المصرية من أغلب المصريين يمنح الشرعية لعمل الجيش الذي أكد بُعدَه عن السياسة والحكم بأن سلّمه إلى القضاء ممثلاً برئيس المحكمة الدستورية ودعوته إلى أن تشارك جميع التيارات والفصائل السياسية المصرية في إدارة البلاد، وأن يتسامح الجميع وينبذوا العنف والانقسام.
jaser@al-jazirah.com.sa