كان الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ يقول : أفضل طريقة للقضاء على جماعة الإخوان المسلمين أن تدعهم يحكمون؛ وهاهي الأيام تثبت أنّ ما قاله كان عين الصواب.
تنبّه عبدالناصر لخطر جماعة الإخوان المسلمين، وخطر امتطاء الدين لأغراض سياسية، مُبكراً، غير أنّ قمعهم والتعامل معهم بيد من حديد، واكتظاظ السجون بمنظِّريهم وقادتهم وجمع كبير من كوادرهم، وانتشار قصص تعذيبهم، والتنكيل بهم، جعلهم يظهرون أمام العامة البسطاء وكأنهم ضحايا مظلومين، فتعاطف المصريون معهم، خاصة بعد فشل عبدالناصر التنموي، ومصادرته للحريات، وقمعه، واتساع رقعة الفقر والأمية أثناء عهده، وزاد الطينُ بللاً هزيمة 67 المخجلة والمهينة على كافة المستويات، وعندما ورث الرئيس السادات الحكم من عبدالناصر، لجأ إلى جماعة الإخوان وبقية التيارات السياسية المتأسلمة التي خرجت من تحت عباءتها، لمحاصرة التيارات السياسية الناصرية المناوئة له، فأخرج قيادات القوى الإسلامية من السجون، وأتاح لهم المجال واسعاً للعمل السياسي والحركي، وعادت قياداتهم ومنظِّروهم الذين هربوا للخارج في الحقبة الناصرية إلى مصر، محمّلين بالأموال، والاستثمارات، وعلاقات خارجية قوية، ما مكّنهم من إعادة تنظيم الجماعة، والانتشار أكثر، فزادت قوّتها قوة ومكانتها السياسية مكانة، خاصة بعد انتصار ثورة الخميني في إيران في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات من القرن المنصرم، وقدرته (مُتدثراً) بعباءة الدين، على إسقاط الشاه، وهذا ما جعل الثوريين العرب، والمصريين على وجه الخصوص، يتعلّقون بالإسلام (الثوري) الذي كان قد بذر بذرته مبكراً سيد قطب من خلال العديد من مؤلفاته الأدبية، وأهمها (معالم في الطريق) الذي حوّل الإسلام السني لأول مرة في تاريخه من إسلام مُهادن للسلطات السياسية، يعمل في ظلها ومن خلالها، إلى (متمرّدٍ) عليها بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
جاء الإخوان بعد سقوط حسني مبارك، والثورة الشعبية، إلى الحكم، من خلال صناديق الانتخابات، انتخبهم المصريون ديمقراطياً وهم بلا برنامج وبلا رؤية، وبلا أية أجندة من شأنها أن تكون خارطة طريق لما سوف يُنفذون، اللهم إلاّ شعارات برّاقة، خَدعَ سرابُها الظِمَاءَ البُسطاء السذّج، فظنوا أنه ماء؛ وبعد سنة من الحكم اكتشف من انتخبوهم، قبل غيرهم، أنهم كانوا مخدوعين، وأنّ الإخوان سيأخذون مصر واقتصاد مصر و (نيل) مصر بل وجميع أهل مصر إلى كوارث مؤكدة؛ فإن هُم سكتوا حتى يُكمل مرسي ومعه الجماعة مدتهم فسيتورّطون أكثر، وربما تصل مأساتهم إلى نقطة اللا عودة، فقرروا الانتفاضة ثانية، وخرج ما يربو على ثلاثين مليون متظاهر في كل أنحاء مصر، يُطالبون بانتخابات مبكرة؛ فالقضية ليست قضية (شرعية) صناديق انتخاب، أو شرعية رئيس مُنتخب، وإنما أخطر من ذلك بكثير، إنها قضية بلد مُهدد في بقائه ووجوده وأمن أهله، وشعبٌ يتضوّر جوعاً، وخزينة خاوية، واقتصاد متهالك، وعلاقات سياسية بالخارج جعلت من مصر بلداً معزولاً سياسياً؛ فحال أهل مصر ومرسي حالُ من استأجر لعربته سائقاً ليُوصله إلى نقطة معيّنة، فإذا هو يحيدُ بها ليس عن الطريق السليم المؤدي إلى النقطة المتفق عليها فحسب، وإنما إلى الطريق المعاكس تماماً، فكان لا بد من إيقاف العربة وتغيير سائقها. هذا بالضبط وضع أهل مصر مع رئيسهم المنتخب.
ومساء يوم الأربعاء الماضي تصدّى الجيش للإخوان، واقتلعهم من حكم مصر، بعد أن امتلأت مدن مصر وقراها بملايين المتظاهرين يُطالبون برحيل الرئيس الإخواني المنتخب؛ وأهم من كل ذلك بالنسبة لنا، وكذلك للشعوب العربية أيضاً، أنّ هذه الأحداث برهنت على صحة ما كنا نقوله ونُحذر منه، وقد كتبت عنه مراراً هنا، ومُؤداه أنّ هؤلاء الانتهازيين وأقرانهم سيجرّون بلدانهم إلى الكوارث إنْ هم حكموا.
ولعلّ من غرائب الصدف أن يُحقق مرسي ما عجز عن تحقيقه عبدالناصر ومبارك وإلى حدٍّ ما الرئيس السادات مجتمعين وهو (إسقاط الإخوان)؛ وربما هذا هو الإنجاز الوحيد لمرسي في حياته السياسية فقد استطاع فعلاً أن يُسقطهم.
إلى اللقاء ..