إنه لا إيمان لعبد إلا بالتسليم لله ولرسوله والطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم قال سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}, فطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم تكون بتصديقه فيما أخبر واجتناب ما عنه نهى وزجر وألا يعبد الله إلا بما شرع, وقد أوجب الله طاعة رسوله في كتابه في أكثر من ثلاثين موضعاً كما قاله الإمام أحمد.
{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. فكل ما صح عن رسولنا صلى الله عليه وسلم أمراً وجب علينا العمل به إن كان واجباً, وكل ما أخبرنا به وجب علينا تصديقه, وكل ما نهانا عنه وجب علينا امتثال نهيه واجتناب ما نهانا عنه؛ لأن الله يقول: {وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ}, ولأن الله توعد المشاق لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالعذاب في جهنم {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا}.
والمخالف لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حذَّره الله بقوله: {لفَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
أخرج الإمام أحمد في مسنده بإسناد صححه بعض أهل العلم عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال: تمتع النبي صلى الله عليه وسلم فقال عروة بن الزبير: نهى أبو بكر وعمر عن المتعة, فقال بن عباس: ما يقول عُرية؟ قال يقول: نهى أبوبكر وعمر عن المتعة, فقال ابن عباس: أراهم سيهلكون، أقول قال النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: نهى أبو بكر وعمر. قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: (فإذا كان من خالف السنة لقول أبي بكر وعمر تخشى عليه العقوبة, فكيف بحال من خالفها لقول مَن دونهما, أو لمجرد رأيه).
روى السائب بن يزيد -رحمه الله تعالى- فقال: (كنت قائماً في المسجد فحصبني رجل فنظرت فإذا عمر بن الخطاب فقال: اذهب فأتني بهذين، فجئته بهما، قال: من أنتما أو من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أخرجه البخاري. وفي هذا الزمان خرجت نابتة لا ترفع صوتها في مسجد رسولنا صلى الله عليه وسلم بل تفاقم أمرها فكان من إجرامها أن ترد أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لأهوائها أو لحزبها أو لذوقها فترى من ينكر حد الرجم في حق الزاني المحصن وقد قال ابن حزم رحمه الله: (وقد أجمع المسلمون إجماعاً لا ينقضه إلا ملحد أن الزاني المحصن عليه الرجم حتى يموت).
وتسمع من يرد حديثاً قد أخرجه البخاري أو أخرجه مسلم لهواه أو لضعف في عقله مدعياً أن فطرته لا تقبله ألا تباً لهم، فهولاء وأمثالهم قد وقعوا في الفتنة وفي مسلك من مسالك الزندقة والضلال والظلمات. نسأل الله السلامة, ونسأله أن يهيئ لهم يداً من الحق حاصدة.
قال ابن بطة -رحمه الله- فيمن أنكر قصة موسى مع ملك الموت - عليهما السلام - حين فقأ عينه: (لا ينكره إلا مبتدع, ضعيف الرأي, هكذا قالت العلماء, فيمن رده, وتوقف عنه).فيجب على كل مسلم أن يحذر أن يرد شيئاً ثابتاً من شرع الله أو أن ينكر حديثاً صحيحاً لعدم موافقته لهواه، فهذا من أخطر ما يكون على دين الرجل, قال عبدالله بن المبارك -رحمه الله: (إذا بلغك الحديث عن رسول الله فاخضع له), وقد كان السلف يحذّرون مما هو أقل من ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها». قال فقال بلال بن عبد الله: والله لنمنعهن. قال: فأقبل عليه عبد الله فسبه سباً سيئاً ما سمعته سبه مثله قط, وقال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وتقول والله لنمنعهن!!.
وأخرج مسلم أيضاً في صحيحه عن سعيد بن جبير أن قريباً لعبدالله بن معفل خذف - قال - فنهاه, وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف وقال: «إنها لا تصيد صيداً ولا تنكأ عدواً ولكنها تكسر السن وتفقأ العين». قال فعاد. فقال: أحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه ثم تخذف, لا أكلمك أبداً.
وأخرج الدارمي عن عبادة بن الصامت.. أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن درهمين بدرهم, فقال فلان: ما أرى بهذا بأساً يداً بيد, فقال عبادة: أقول قال النبي صلى الله عليه وسلم وتقول لا أرى به بأساً! والله لا يظلني وإياك سقف أبداً. رأى سعيد بن المسيب -رحمه الله- رجلاً يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يكثر فيها الركوع والسجود، فنهاه، فقال: يا أبا محمد يعذبني الله على الصلاة؟ قال: لا، ولكن يعذبك على خلاف السنة.
قال ابن عيينة رحمه الله: سمعت مالك بن أنس وأتاه رجل فقال: يا أبا عبدالله من أين أُحرم؟ قال: من ذي الحليفة، من حيثُ أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر. قال: لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة.
فقال: وأي فتنة في هذه؟ إنما هي أميال أزيدها! قال: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم والله يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
فالواجب الأكيد توقير رسول الله وتعظيم جنابه والرد على كل من أراد أن يحكم عقله رداً لحديث صحيح تبعاً لهواه ومشتهاه، وعلى الجميع الحذر، قال الإمام أحمد -رحمه الله: من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة. وقال إسحاق بن راهويه -رحمه الله: من بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر يقر بصحته ثم رده بغير تقية فهو كافر. وقال أبو محمد البربهاري -رحمه الله- في شرح السنة: إذا سمعت الرجل يطعن على الآثار ولا يقبلها، أو ينكر شيئاً من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتهمه على الإسلام فإنه رجل رديء المذهب والقول، وإنما يطعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه. وقال: لا يخرج أحد من أهل القبلة عن الإسلام حتى يرد آية من كتاب الله عز وجل، أو يرد شيئاً من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يصلي لغير الله، أو يذبح لغير الله، فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام. وقال: من رد آية من كتاب الله فقد رد الكتاب كله، ومن رد حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد رد الأثر كله وهو كافر بالله العظيم.
قال الصابوني في عقيدة السلف وأصحاب الحديث: (ينبغي للمرء أن يعظم أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقابلها بالقبول والتسليم والتصديق. وينكر أشد الإنكار على من يسلك فيها غير هذا الطريق).
- عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء.