مِنْ قَبْلِ عِشْرِيْنَ عَاماً كُنْتُ أَعْشَقُها
وَبِالرَّشِيْقِ مِنَ الأَشْعَارِ أَرْشُقُها
لَهَا لَدَيَّ مِنَ الوِجْدَانِ أَطْهَرُهُ
وَمِنْ صَبَابَاتِ أَهْلِ العِشْقِ أَصْدَقُها
أَفْرَدْتُهَا في فُؤادِي لا شَرِيْكَ لَهَا
فِيْهِ، وَكَادَ عَنِيْفُ النَّبْضِ يَسْحَقُها
كَانَتْ فَرَاشَةَ نَارٍ مَا تُبَارِحُنِـي
وَرَغْمَ هَذا لَـهِيْبِـي لَيْسَ يُـحْرِقُها
كُنَّا مَعاً.. لا خَفِيُّ الحُبِّ يُرْهِقُنِـي
وَلا هَوَايَ الذي أُبْدِيْهِ يُرْهِقُها
وَنَلْتَقِي وَأَمَانِيْنَا مُفَرَّقَةٌ
وَحِيْنَ نَـجْمَعُهَا، عَمْداً نُفَرِّقُها
فَمَا تُوَدِّعُنِـي إلاّ وَتَسْبِقُنِـي
إلى اللِّقَاءِ، وَحِيْناً كُنْتُ أَسْبِقُها
وَفي لِقَاءِ غَدٍ تَزْدَادُ صَبْوَتُنَا
وَرُبَّمَا حَوْلَ صَدْرِي الـْـتَفَّ مِرْفَقُها
وَطَالَمَا اصْطَنَعَتْ بِالآهِ زَفْرَتَهَا
فَمَا دَرَتْ كَيْفَ مِنْهَا صِرْتُ أَشْهَقُها
كَمْ بَصْمَةٍ في شِفَاهِ اللَّيْلِ نَطْبَعُهَا
وَلَـحْظَةٍ مِنْ جُنُوْنِ الوَقْتِ نَسْـرِقُها
لَنَا مِنَ الهَمْسِ أَلْفَاظٌ نُرَدِّدُهَا
وَمَنْطِقِـي عَسَلٌ صَافٍ وَمَنْطِقُها
فَمَا تَمَادَتْ بِنَا يَوْماً صَبَابَتُنَا
وَلَمْ يُبَارِحْ مَنِيْعَ القِشْـرِ فُسْتُقُها
وَلَمْ نَزَلْ نَتَسَاقَـى مِنْ بَرَاءَتِنَا
كُؤُوْسَ طُهْرٍ عَلَى الأَرْوَاحِ نُهْرِقُها
عَاهَدْتُهَا أَنْ أَصُوْنَ الـحُبَّ مَا بَقِيَتْ
رُوْحِي وَلَوْ خَانَ عَهْدَ الشَّمْسِ مَشْـرِقُها
وَمَرَّ مَا مَرَّ حَتَّى لاحَ لي أُفُقٌ
وَحُلْوَتِـي فِيْهِ مِثْلَ الطَّيْفِ أَرْمُقُها
أَنْكَرْتُ مِنْها طِبَاعاً لَسْتُ أَعْهَدُهَا
وَرَابَـنِـي عُنْفُهَا! حَتَّـى تَـرَفُّـقُها!
رَأَيْتُهَا تُزْمِعُ التَّـرْحَالَ لا سَبَبٌ
أَدْرِي بِهِ، غَيْرَ أَنِّي قُمْتُ أَلْـحَقُها
تَشَبَّثَتْ رَاحَتِـي في ذَيْلِ مِئْزَرِهَا
وَحِيْنَ لَمْ أَلْقَ شَيْئاً رُحْتُ أُطْلِقُها
وَفَجْأَةً يَتَلاشَى غَيْمُ صُوْرَتِهَا
وَيُمْطِرُ اليَأْسُ في رُوْحِي وَيُغْرِقُها
أَطْرَقْتُ لَـحْظَتَهَا في وَجْهِ ذَاكِرَتِـي
وَكَمْ عُيُوْنٍ يُوَارِي الذُّلَّ مُطْرِقُها
سَاءَلْتُ عَنْهَا بَقَايَا الرُّوْحِ هَلْ بَقِيَتْ
لَهَا بَقِيَّةُ ذِكْرَى طَابَ مُوْرِقُها؟
فَمَا سَمِعْتُ جَوَاباً غَيْرَ أَنَّ يَدِي
سَعَتْ لأَبْوَابِ آمَالٍ أُعَتِّقُها
كَسَّـرْتُ مِنْهَا الذي أَغْلَقْتُهُ زَمَناً
وَرُبَّمَا كَسَّـرَ الأَبْوَابَ مُغْلِقُها
وَرُحْتُ أَسْأَلُ عَنْهَا كُلَّ قَافِلَةٍ
وَكِدْتُ مِنْ كَثْرَةِ التَّسْآلِ أُقْلِقُها
طَلَبْتُهَا في دُرُوْبٍ مَاجَ طَارِقُهَا
وَفي الدُّرُوْبِ التي لا رَكْبَ يَطْرُقُها
فَتَّشْتُ عَنْهَا وَرَاءَ الغَيْمِ.. لا أَثَرٌ
وَلا بَقِيَّةَ عِطْرٍ كُنْتُ أَنْشَقُها
مَضَى بِـيَ العُمْرُ لا طَيْفٌ وَلا خَبَرٌ
عَنْها، وَلا قَلَّ في قَلْبِـي تَعَلُّقُها
وَضَاعَ مِنْ سَنَوَاتِ العُمْرِ أَجْمَلُهَا
وَقَدْ ذَوَى في ارْتِقَابِ الوَصْلِ رَوْنَقُها
وَعِشْتُ مَا عِشْتُ لا حُلْمٌ وَلا أَمَلٌ
وَالنَّفْسُ مُسْتَسْلِمٌ لِلْيَأْسِ بَيْرَقُها
وَبَعْدَ عِشْـرِيْنَ عَاماً لاحَ لي شَبَحٌ
لَـمَحْتُ فِيْهِ بَقَايَا لا أُحَقِّقُها
لِصَوْتِهِ إذْ دَعَانِـي مِثْلُ كَهْرَبِةٍ
سَرَتْ بِذَاكِرَتِـي وَالآنَ تَصْعَقُها
لا لَسْتِ أَنْتِ، بَلَى أَنْتِ التي رَحَلَتْ
لا لا، بَلَى أَنْتِ! عَيْنِـي لا أُصَدِّقُها!
نَعَمْ نَعَمْ هِيَ لا رَيْبٌ مُعَذِّبَتِـي
وَحِيْنَهَا لَجَّ بِالذِّكْرَى تَدَفُّقُها
لَكِنْ مَلامِـحُهَا لَيْسَتْ مَلامِـحَهَا
وَنَابُهَا حَالِكُ الأَلْوَانِ أَزْرَقُها
جَبِيْنُها مِنْ غُبَارِ العُمْرِ مُـمْتَـقِـعٌ
وَتِلْكَ بَشْـرَتُهَا بَادٍ تَشَقُّقُها
أَمَامَهَا وَلَدَانِ اشْتَدَّ جَرْيُهُمَا
وَخَلْفَهَا طِفْلَةٌ عَذْبٌ تَرَقُّقُها
هَمَّتْ تُـحَدِّثُنِي عَنْ عُذْرِ غَيْبَتِهَا
وَأَجْهَشَتْ بِكَلامٍ كَادَ يَخْنُقُها
أَعْرَضْتُ عَنْهَا وَلَكِنْ وَجْهُ طِفْلَتِهَا
أَسْرَى رُكَامَ هُمُوْمٍ هَاجَ مُبْـرِقُها
وَرُحْتُ مِنْ دُوْنِ أَنْ أَدْرِي أُقَبِّلُهَا
هَذِي البَرَاءَةُ كَمْ يَـحْلُو تَذَوُّقُها
شَفَيْتُ عَيْنِـي مِنَ اللُّقْيَا وَمَا شُفِيَتْ
حُشَاشَةٌ كَادَ طُوْلُ البُعْدِ يُزْهِقُها
فَأَتْعَسُ الحُبِّ أَنْ تَشْقَـى بِعَوْدَتِهِ
وَأَنْ تَهِيْمَ بِأُنْـثَى شَابَ مَفْرِقُها
20/ 8/ 1434هـ
- @fawaz_dr