السياحة في عصرنا الحالي عالم قائم بذاته، وترتكز على دعائم وأنشطة وخدمات، وقد تحولت في بلدان كثيرة إلى واقع حي ملموس.
ويدور هذه الأيام نقاش نحو استثمار السياحة الداخلية وعقدت ندوات ولقاءات من خلال التلفاز، كما برزت بعض المشاريع التي تم افتتاحها لإيجاد سياحة داخلية تمتص الملايين التي تذهب في كل عام إلى الخارج ليتم استثمارها في داخل بلادنا خاصة وأن بلادنا تتميز ببيئة طبيعية خلابة. ولقد بدأت المناطق السياحية في المملكة السعي نحو توفير الخدمات والمرافق والمشاريع الحديثة وبرامج الترفيه والمساكن المناسبة والألعاب والأسواق والمطاعم والمنتزهات، ويبقى دور الخطوط السعودية في عملية تسهيل الانتقال إلى تلك المناطق والعودة منها بسهولة ويسر.
إن تشجيع السياحة الداخلية مطلب وطني لأن مردودها سيكون لصالح الوطن وازدهاره ونموه، وقد يكون من المهم التذكير بأهمية ذلك خلال حملة إعلامية واسعة لترغيب الناس، ولقد أصبحت صناعة السياحة من الأنشطة الاقتصادية والمهمة في العالم فهي دعامة أساسية لكثير من اقتصاديات الدول، وكلما انتهى العام الدراسي وأقبل الصيف بدأ التفكير في السياحة الداخلية ووضع خطط شاملة تغري المواطن وتقنعه بالبقاء، ولو لم يكن في كل عام فمن المعروف أن هناك أعداداً كبيرة من المواطنين تسافر إلى الخارج ولا شك أن هناك عوامل إغراء وجذب بالنسبة للسياحة الخارجية كالخدمات الفندقية والبيئة السياحية والمناخ وإشغال أوقات الفراغ والمدن الترفيهية للأطفال وغير ذلك مما يشد أنظار السائح.
ولا شك أن بلادنا تتميز ببيئة ذات مجد تليد وماض حافل بالمآثر والمفاخر.. وفي هذا الإطار فإن الإنسان داخل المملكة بمساحتها المترامية الأطراف جغرافياً الواسعة الأرجاء يحتاج إلى شيء من التوعية بأهمية السياحة الداخلية مع تنظيم ذلك خاصة في هذا العصر الذي أصبحت السياحة فيه علماً له قواعده الخاصة به التي تدرس على أعلى المستويات في أرقى المعاهد العلمية وأصبحت الجامعات تناقش بين حين وآخر رسائل الماجستير والدكتوراه التي تتناول الاقتصاد السياحي وغير ذلك من الموضوعات السياحية بنفس الأسلوب والطريقة التي تناقش بها الرسائل التي تقدم في مختلف العلوم الأخرى.
ولعل ما ينبغي الإشارة إليه أن بعضا من مواطنينا يعرفون الكثير من بلدان العالم وأماكن السياحة فيها أكثر مما يعرفونه عن مناطق بلادهم، وفي بلادنا اليوم مناطق سياحية جذابة ومواضع وأماكن حفل التاريخ والشعر والأدب بما فيها من آثار ومعالم وتغنى بما فيها من أودية وكثبان ووهاد ورياض الشعراء الذين هاموا بها حباً فانتزعت أشواقهم، كما قام العديد من العلماء الجغرافيين برحلات دونوا فيها الكتب والأشعار. إن بلادنا تحفل بعشرة آلاف موقع سياحي زاهية بالتاريخ وعامرة بالطبيعة الخلابة والتراث المجيد.
ويعتبر ذلك التراث أحد العناصر الأساسية للتاريخ وهي بالطبع تشد نحو السياحة إليها فإلى جانب المناطق السياحية كأبها والباحة والطائف وكمدائن صالح وتيماء ونجران وابانان والعذيب ورامتان وخيبر وفرسان وجبال طي وعيون الأحساء والعقير وغير ذلك من الثنايا والأودية والرياض والجبال والعقبات في السراة وتهامة وغير ذلك مما لا مجال لتعداده من الأماكن السياحية والأثرية، فهي ذات وفرة وكثرة وشهرة وشواهد حضارية لتاريخ هذه البلاد وما تحفل به من أبعاد سياحية وبيئة طبيعية وتراث وعمراني.
وهي مدونة في كتب التاريخ والمعاجم والأخبار والسير والشعر وما أثبته علماء المنازل والديار ولعل إصدار سلسلة من الكتب تعرف بتلك المدن والمصايف وتوفر معلومات دقيقة عنها تنقل قارئها إلى أجوائها وتقدم له صورة حية عنها وتعريفاً بها وتمكنه من معرفة وطنه القيام بسياحة في أرجائه ومشاهدته عن قرب له أكبر الأثر للباحث والاستفادة منها وتعيينه على استقاء معلومات وثائقية، كما أن هذه الكتب ستكون ذات متعة وفائدة مزدوجة للقارئ الذي ينشد المعرفة لتحقيق الاستفادة القصوى من ذلك. المهم أن الكثير يعرف أسماء تلك المناطق السياحية والأثرية فقط ولكنه لا يعرف أين تقع إذ لم يرها أو وقف عليها.. ولعل ذلك يرجع إلى عدم تنظيم رحلات سياحية لتلك المناطق وعدم توفر الاحتياجات العامة التي يحتاجها السائح والزوار.. وحبذا لو قامت شركة الفنادق والمناطق السياحية بدور إيجابي في هذا المجال كتنظيم رحلات سياحية وبأجور مناسبة مع تأمين احتياجات ومتطلبات ذلك إلى تلك المناطق الجميلة في بلادنا المحببة إلى النفوس والتقلب في جنباتها والإحاطة والمعرفة بها وخاصة أن بلادنا ذات مناطق جغرافية مختلفة وحبذا وضع لوحات على المناطق الآثارية للتعريف بها حين المرور بها فقد كنت منذ أيام في خيبر ولم أجد لوحة تيسر وتوضح تلك المعالم التاريخية فيها، وأن وضع الإرشادات والمعلومات الصحيحة سوف تضيء جانباً مهماً من جوانب التعريف بمعالم المنطقة، وكما نحن في حاجة إلى أن نتعرف على بلادنا ومعالمها وأعلامها وآثارها وأمجادها التي شغلت الباحثين والرحالة والدارسين والمستشرقين قديماً وحديثاً حيث اهتموا بالزيارة والكتابة عن المرابع والديار والمنازل والنجاد والأغوار والرياض والغدران ومن يقرأ كتاب «صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار» و»المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية» الذي حصر جل تلك الأسماء، وسيجد القارئ فيضاً غزيراً من الأماكن والمناطق في هذه البلاد وأن من يرجع إلى التاريخ سيجد أمجاداً وتراثاً ومنتجعات فسيحة رحبة سواء في مرابع نجد أو جبال وغابات السراة وتهامة أو مرابع الأنس في سواحل الحجاز ووديانه التي ألهبت مشاعر الشعراء وكوامن الأشواق فيهم حيث كانوا يعيشون في رياض وجنات الأندلس وشواطئ وأنهار النيل والفرات ودجلة وبردى مع ذلك كانت عيون الشعراء والأدباء ترنو إلى هذه البلاد وصحرائها ورياضها ووهادها ونجادها وسهولها ومرتفعاتها ونسماتها.. وماأجدر جيل اليوم أن يتمكن من رؤية ومشاهدة تلك الآثار والمعالم التي تختص بها بلاده وما تضمه من مدة وأقاليم ومناطق آثار وإغراء المواطن وإقناعه بزيارتها والبقاء فيها لبضعة أيام وهذا يحتاج إلى مزيد من الوعي السياحي وهو ما نأمله ونرجوه ونعمل جميعاً من أجل تحقيقه بكل إخلاص وجد لتحقيق الاستفادة من السياحة والعناية بتلك الجوانب والاعتبارات التي ينبغي أخذها في الاعتبار حتى تصبح السياحة الداخلية هدفاً يحرص عليه المواطن وذات مردود اقتصادي كبير، وينتظر المواطنون ثمار الجهود الكبيرة التي تبذلها الهيئة العليا للسياحة في تكوين وتأسيس الوعي السياحي وبناء البنية التحتية لها.. خاصة وأن الاستثمار السياحي عنصر مهم من عناصر دعم الاقتصاد الوطني وننتظر جهود الهيئة العليا للسياحة كما أن الإعلام مطالب بالتوعية والتوجيه إلى الاستثمار السياحي وتشجيع المساهمة في مجالاته وإعداد البرامج والخطط والكوادر الوطنية التي تجيد التعامل مع تلك المعطيات. إن بلادنا غنية بالمناطق السياحية ومواقعنا التاريخية والجغرافية كثيرة وتحتاج منا إلى زيارتها للاطلاع والتعرف عليها فالسياحة اليوم ثقافة ومعرفة وكما قيل:
سفر الفتى لمناطق وديار
وتجول في سائر الأمصار
علم ومعرفة وفهم واسع
وتجارب ورؤية الأخبار
وهذا وبالله التوفيق.
أمين عام دارة الملك عبدالعزيز السابق