من الصعب أن يدرك أحدنا ظروف التصحيح التي تعيشها مصر الآن، منذ رحلة رفع الثقة عن الرئيس الحالي محمد مرسي، في الثلاثين من يونيو، فمهما تابعنا، وقرأنا، وتحدثنا، عما عاشته مصر خلال العام المنصرم منذ تولي مرسي الرئاسة، لن نتمكن من فهم ما يحدث هناك، هل هو «تمرد» على الأوضاع، وسحب الثقة من الرئيس، أم هي مؤامرة على مصر كما يصفها الإخوان في مصر، ومن يواليهم في البلاد العربية، وخاصة في دول الخليج العربي. صحيح أننا نستطيع مقارنة المنجز بوعوده التي قطعها على نفسه، وصحيح أننا نملك قراءة الأرقام فيما يخص الميزانية، من ارتفاع الدين العام أو انخفاضه، ومعدلات البطالة، وأزمة الوقود، وتضرر قطاع السياحة هناك، لكن الحياة اليومية في الداخل، والمعايشة اليومية مع الوضع الاقتصادي هي ما تفسّر ما يحدث هناك.
حتماً لنا الحق جميعاً في متابعة ما يحدث، والحديث حوله، والكتابة عنه، فهذه مصر قلب العالم العربي، وبوصلته نحو التقدم أو التخلف، ودليله نحو الديمقراطية، ونحن جميعاً ننتمي، بشكل أو بآخر، إلى بلاد النيل، فمنها أساتذتنا الذين تعلمنا على أيديهم في مرحلة مبكرة من تنمية بلادنا، ومنها دخلنا إلى أبواب الأدب والفكر والثقافة، ومنها أيضاً قرأنا الحالة الاجتماعية والسياسية عبر الدراما التي دخلت بيوتنا من خلال الشاشة الصغيرة، فمهما ادّعينا الحياد تجاه ما يحدث، والتعامل معه ببرود، لن نكون صادقين أبداً، لأننا نعتبر أنفسنا جزءاً منها، تجمعنا هويّة مشتركة.
لكن ما يثير العجب، هو الاقتتال تجاه ما يحدث، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والاصطفاف مع فريق ضد الآخر، فهناك من هو في صف الإخوان في كل حالاتهم، حتى لو دمروا البلاد، وأحبطوا العباد، وهناك من هو ضدهم في كل الأحوال، حتى لو نقلوا مصر إلى مرحلة متقدمة من النمو والازدهار، بل وصل الأمر بأن بعضنا يتهم مصريين بالعداء تجاه بلدهم، والتآمر ضده، لأنهم قرروا أن يسحبوا الثقة من رئيسهم المنتخب، أليس هم من انتخب رئيسهم؟ وهم من له الحق في سحب الثقة منه؟ إذن، هنا نكون قد تطاولنا على حقوق شعب يمتلك الرغبة والإرادة في إدارة شؤون بلده، وهنا فقط علينا أن نكفّ عن اتهام المصريين، والتطاول عليهم، في أمر يخصهم.
هنا تحديداً، نكون قد تجاوزنا حدود الأدب، في التدخل في شأن ليس من اختصاصنا. كم يؤلم أن نقرأ أحد المغردين في تويتر، وهو يكيل الاتهامات لمواطن مصري، ويتهمه بالعمالة، فقط لأنه انضم إلى جماعة ميدان التحرير، بل إن بعض السعوديين، أصبح يتعامل مع الفريقين، فريق ميدان التحرير، وفريق مسجد رابعة العدوية، كما يتعامل مع فسطاطين، فسطاط الكفر، وفسطاط الإيمان، رغم أن المصريين هم من بين أكثر شعوب العالم تسامحاً، إذ يكفي أن المتمردين أعلنوا نقاطاً أو هي تعليمات أولية، تتضمن عدم استخدام العنف، وعدم الانسياق خلف الاستفزاز، وما إلى ذلك من مبادئ وقيم، تثبت أن الشعب المصري، يسير بثقة نحو الديمقراطية، والمشاركة الشعبية الحقيقية في إدارة شؤون البلاد.