مر الأمر الملكي الكريم لخادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - بترحيل الإجازة الأسبوعية من يوم الخميس إلى يوم السبت دون ضجيج واعتراض وممانعة ممن تعودنا منهم الاعتراض والممانعة في الماضي على أي قرار تنموي، وكان هذا القرار قد اكتنفته اجتهادات (متزمتة) ربطته بالحلال والحرام قبل صدوره، إلا أن هذه الفئة (المتشددة) التي تعودنا منها عدم تقبّل مثل هذه التغييرات آثرت على ما يبدو الصمت، وتقبل الأمر الواقع، خاصة وأن كثيرا من ممانعاتهم واعتراضاتهم لم يتم الالتفات إليها، لبواعث وأسباب إمّا أنها عملية وحقوقية مُلحة، أو لكونها متطلبات لم يعد بالإمكان المجاملة فيها لأسباب موضوعية لها علاقة بالضرورة (التنموية)، مثل القرارات المتعلقة بتوسيع مجالات (عمل المرأة) بعد أن تفاقمت معدلات بطالتها، وضاقت عليها الفرص في العمل والبحث عن الرزق، فتعود التيار (المحافظ) في المجتمع شيئاً فشيئاً على أن يرى المرأة تعمل في مجالات (لم يتعود) أن يراها تعمل فيها، فهدأت هذه الممانعات مع الزمن والتعود، اللهم إلا من شريحة (مُتزمتة) قليلة العدد، مازالت تحاول لاهثة أن تُجهض هذه القرارات، غير أن اعتراض هذه الشريحة مُتناهية الصغر، لم يعد لها قيمة.
هناك قرارات مازال الأمل يحدونا إلى أن نراها مُطبقة، وعلى رأسها، بل وأهمها في رأيي، قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة؛ فلم يعد بالإمكان الاستمرار في منعها، خاصة وأن المرأة الآن أصبحت (عاملة)، فهناك أكثر من 600 ألف امرأة تعمل في القطاعين الخاص والعام، والأرقام في اتجاهها إلى التزايد، ما يجعل أي تأخير في اتخاذ مثل هذا القرار من شأنه أن يُسبب انعكاسات اقتصادية سلبية، تُقلل من قيمة قرار السماح للمرأة بالعمل من تحقيق الهدف المناط به، نظراً لتكلفة السائق الباهظة على دخل المرأة العاملة، وهذه التكلفة يجب أن تُأخذ بعين الاعتبار اليوم أكثر من أي وقت مضى؛ ناهيك - طبعاً - عن حق الإنسان المبدئي في الحركة والتنقل.
من يقرأ في أسباب منع قيادة المرأة للسيارة يجد أن الدافع للمنع كان (سداً للذرائع)؛ فقيادة المرأة (للراحلة)، بغض النظر عن هذه الراحلة، دابة كانت أم سيارة، أو حتى طائرة أو حتى سيكل، لا يستطيع أحدٌ أن يُحرمها كفعل إلا أن يكون جاهلاً أو مغالطا، فالمنع كان من قبيل تحريم الوسائل لا من قبيل تحريم المقاصد، أي أنه كان (سداً للذرائع)؛ وسد الذرائع وكذلك فتحها، قضية (تقديرية) بحتة، تختلف وتتغير حسب تغيرات الظروف والأزمنة والأمكنة، فالقاعدة تقول: إذا كان ثمة أمر ما يقود إلى محذور أو مفسدة فإن للإمام ولي الأمر، وليس لأي أحد آخر، (منعه)، وفي المقابل فإذا كان ثمة أمر آخر يقود إلى مصلحة راجحة لا تعلو عليها مفسدة، فإن (فتح) الذريعة التي تؤدي إلى هذه المصلحة الراجحة أمر مشروع أيضاً. فقد أجمع أهل العلم على أنه: (ما كان منهياً عنه للذريعة فإنه يُفعل لأجل المصلحة الراجحة).. انظر «مجموع الفتاوى لابن تيمية 22/298، وزاد المعاد 2/242، إعلام الموقعين 2/142»
وغني عن القول إن التوسع غير المبرر في سد الذرائع قد يؤدي إلى (الحرج)، والأصل في الشرع (رفع الحرج)، والتيسير على الناس، لا التضييق عليهم.. ومنطلقات رفع الحرج في الشريعة يتأسس على رعاية ضعف الإنسان، وتسهيل أمور حياته، وتقدير ظروفه، وظروف معيشته كما نص على ذلك الفقهاء.
لذلك فإن السماح للمرأة بأن تقود راحلتها، أو سيارتها، مثلما ما كانت تفعل في كل العصور الإسلامية السابقة، وكما هو مسموح به في كل بلاد الدنيا بلا استثناء، هو اليوم أمر ملح أكثر من أي وقت مضى، وبالذات بالنسبة للمرأة العاملة على وجه الخصوص.
إلى اللقاء