قلت إن هناك ربما أكثر من 3 ملايين من أبناء وبنات السعوديات يعيشون على أرض السعودية المعطاء ويعانون، مطالبين بحقوق المواطنة الكاملة.
نعم صحيح أن التجنيس ليس أمراً يؤخذ ببساطة، وأن الأمر يعود لمرئيات ولي الأمر وقوانين الدولة، وأن أبناء وبنات وأزواج المواطنات غير السعوديين لهم أوضاع تميزهم عن غير السعوديين الوافدين. وآخر ما استجد من مميزاتهم أن لهم حق التعليم والعلاج الصحي، وأن تكفلهم الأم، وأن يعاملوا عند التوظيف كمواطنين، لكن عند التطبيق ليس الأمر كما في القانون! وصحيح أن الجنسية السعودية مرغوب فيها من بعض القادمين إليها، ولكن ليس كل من تزوج سعودية دافعه انتهازي كالحصول على حق الإقامة الدائمة. ولا ننسى «إن جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه».. فهل نحن مجتمع متناقض نعاقب من يطبق الشريعة؟ ونصر على تفضيلات العرف لنميز بين أبناء المواطن وأبناء المواطنة؟.
وإنصافا مني للجميع في عرض القضية، الحقيقة أن معاناتهم لم تغب كليا عن اهتمام قياداتنا الرشيدة، ولذلك ما زالت وزارة الداخلية تنظر في أوضاعهم لتصحح بعض إشكالاتها، ولكن كل ما تم حتى الآن لم ينجح في الوصول الى حلول مرضية وتفيد جميع الأطراف المعنية, بما في ذلك الوطن نفسه. حتى آخر ما استجد وهو منح الأم لسعودية المتزوجة بغير سعودي حق وضع زوجها وأبنائها وبناتها تحت كفالتها الشخصية، وبذلك على الأقل يستطيعون أن يتحركوا في البلد بأمان دون أن يطالبوا بإبداء إقاماتهم وأن يغادروا ويعودوا دون مطالبة بتأشيرة خروج وعودة.
ولكني شعرت بالحزن فعلا, حين مراجعة جوازات الرياض لأستلم جوازي بعد تجديده، فهمت من جدال متكرر بين المراجعات الغاضبات والمسؤولين في الجوازات أن الإجراء الجديد الذي يسمح بإضافة الأبناء والبنات تحت كفالة الأم قد توقف ولم يستأنف العمل في تنفيذه.
وهناك بطاقة تعريف خاصة بأبناء المواطنة وبناتها تسمح لهم بحق التعليم والعلاج.. ولكنها لا تجد دائما من يحترمها ويطبقها في مؤسساتنا. وهي بطاقة تحدد أنهم لا يسمح لهم بالعمل! ما يدعو إلى التساؤل عما بعد التخرج! ماذا يفعلون وقد علمناهم حتى الثانوية على الأقل؟ هل يظلون عالة على أمهم أم يعملون كالمتسللين أو المتخلفين معرضين للاستغلال ممن يوظفهم؟ وزارة العمل مؤخراً أدخلتهم في معادلة حساب نطاقات ليحتسبوا ضمن منجزات السعودة، اثنان منهم بحسبة مواطن واحد! فهل يعني هذا تغيير بطاقات التعريف التي تحرم العمل؟.
وسؤال آخر: ماذا يفعلون لو اختار الله الأم الى جواره؟ هل سيبحثون عمن يكفلهم في وطنهم الأصلي؟ ونحن في بلد الخير الذي يستقدم عشرة ملايين وافد من بلاد الله للعمل عندنا بمؤهلات وبدون مؤهلات, أليس المعقول أكثر أن يسمح لأحفادنا من بناتنا المواطنات بحق العمل الكريم بحقوق كاملة؟ ولاشك أنهم سيستقرون ماديا وعاطفيا كما ستسعد بذلك أمهاتهم, بناتنا المواطنات.
بل إنني حين أنظر بعين متخصصة مهتمة بالتخطيط التنموي على المدى الطويل، ومهتمة باستقرار الأوضاع والرضى في الوطن, أجد الأفضل أن يمنح حق الجنسية لأبناء وبنات كل المواطنين بغض النظر عن كونه الأب أو كونها الأم. فنحن لا نخسر إن بقي من نعلمهم ليكونوا ضمن أبنائنا طاقتنا العاملة بمواطنة كاملة يملأ قلوبهم الولاء والانتماء والامتنان والفخر بانتمائهم.
أقترح إذن على وزارة الداخلية إعادة النظر في قانون الجنسية بالنسبة لهؤلاء الأحفاد بالذات الذين يحملون جيناتنا ودماءنا.
ويجدينا أن ينال كل ذي حق حقه وأولهم بناتنا وأحفادنا من الجنسين، ولا ننسى أن من يزرع الانتماء هي الأم التي ترضعه الشعور بالمواطنة مع لبنها وتنشئ الطفل وتغرس فيه الشعور بالمحبة والفخر والرغبة في البناء.