هل يسمح لي التاريخ يا ترى أن أقول إننا نعيش عصر المواقف السلبية (negative attitude) بامتياز؟! قبل ذلك لا بد أن أؤكّد أن الإيجابية هي المؤشر الطبيعي الأول للصحة النفسية على خلاف السلبية أو اللا مبالاة (negative) التي تعتبر ميكانزم دفاعياً يظهر في حالات اصطدام بواقع رديء أو بعد تجربة صادمة ومروّعة.
مما يضطر الشخص للانسحاب والتقوقع وتغليب رفض الواقع وتجميد المشاعر. بدأ مصطلح السلبية بالانتشار في هوامش الحرب العالمية الأولى بسبب المناظر المروِّعة للقتلى وسيادة الدماء. مما خلّف ركوداً عاطفياً زوى المشاعر إلى ركن خفيّ في أعماق الجنود الذين أصبح التبلد أحد أهم سماتهم وضوحاً. كما أن السلبية قد تكون بُعداً فلسفياً إرادياً يتبناه الإنسان حسب الفلسفة (الرواقية الحديثة) التي تهدف لتبخيس العاطفة (الحب الملتهب، الحسد، الخوف... إلخ) وعقلنتها قسراً عن طريق إماتة العاطفة قبالة العقل.
و بعيداً عن ذلك كله تبقى السلبية (اللا مبالاة) عرَضاً مرضياً كما ذهب الدكتور النفسي روبرت مارين: (إن اللا مبالاة ممكن اعتبارها عرض أو متلازمة أو مرض).
عودة على بدء.. الموقف (Attitude) هو ردة الفعل السلبية أو الإيجابية تجاه شيء أو شخص أو مكان أو فكرة. وهي نتيجة طبيعية لمجموعة خبراتنا على مدى تكويننا النفسي. لأن العاطفة هي المصدر الرئيس لتكوين المواقف. فالحب والكره والغضب وأهمها الخوف هو ما يحدونا لاتخاذ موقف ما (سلبي أو إيجابي) وهذا وضع متوقع ومبرر للغاية. ولكن السؤال: هل توجيه المشاعر السلبية تجاه الأشخاص من كمال المرء؟ بالطبع لا.. وهذا ما يرفضه العقل والعلم والدين أيضاً. لذاك علينا أولاً تصحيح مسار مشاعرنا وإعادتها لنطاقها الصحيح بأن نرفض الفكرة والسلوك لا الشخص. لأن الصراع على مستوى الفكرة قد ينتج أقصى ما ينتجه من حوارات ومقارعات وحجج ودحض. إنما تخلّف شخصنة المشاعر دماراً وحروباً ومجازر! ونحن الآن مع الفوران الطائفي في سوريا أحوج ما نحن إلى تجريد المشاعر وتنظيفها من الشخوص. بحاجة لأن نعيد فهم الإيجابية. فالصمت سلبية. وكراهية الأشخاص سلبية.. الموقف الإيجابي هو تحديد الحق من الباطل بدء ثم رفض الباطل عقلاً وشعوراً وعدم تقديم أي دعم مادي أو معنوي لاستمرار الدمار!
الحق هو الانتصار للإنسان، لإرادته، لحقه في تقرير مصيره، لتعزيز كرامته وصونها مهما كانت الظروف.
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}.
kowther.ma.arbash@gmail.comkowthermusa@ تويتر