في هذه الأيام القائظة يحسن بكاتب هذه السطور ألا يثقل على القراء بما يزيد صيفهم لهيباً، وأن يختار ما لطف من الكلام والمواضيع قدر المستطاع. وبما أننا في موسم السفر والإجازات فلدي ما يناسب من الحديث للقراء الأكارم وأرجو أن يكون حديثي خفيفاً بارداً عليهم.
أذكر أنني في نهاية التسعينيات الميلادية وقد كنت ضمن وفد حكومي متجهين خارج البلاد بالطائرة، كنا في منتصف الصيف اللاهب والوقت ليلاً، وما كادت الطائرة الصغيرة تستوي في السماء حتى أعلن قائدها اضطراره للهبوط في أقرب مطار لإصلاح عطل فيها. كان مطار الوجه وهي المدينة الواقعة على الساحل الشمالي الغربي للمملكة هو المطار الأقرب لذا فقط هبطت الطائرة، ولم أكن أتصور روعة الأجواء عندما نزلنا من سلم الطائرة، إذ استقبلتنا نسائم عليلة رائقة وباردة أخذنا نعب منها ونملأ صدورنا بها، ثم أخذ ذلك المطار الوادع الصغير يستيقظ من غفوته، إذ هرع إلينا موظفو المطار المناوبون وقد تفاجئو بهبوطنا عليهم من سمائهم الصافية، فقاموا بواجب الضيافة والابتسامة تشرق وجوههم، فهم لا تعتريهم نوبات التوتر التي يشكو منها سكان المدن الكبرى. عاش المطار الصغير ليلة استثنائية، إذ هبطت طائرة أخرى لتقلنا بدل الأولى التي قرر قائدها العودة إلى جدة لأن الخلل لا يسمح بمواصلة الطائرة رحلتها الدولية.
كم هم محظوظون أهل الوجه بتلك الأجواء ومدينتهم الصغيرة الوادعة، والتي تغفو عروساً فتية على ساحل البحر الأحمر، هانئة لا يعكر هدوءها صخب ولا يلوّث الهواء العليل التي تعب منه ملوّث. جالت بخاطري هذه الذكريات ونحن في هذا الموسم، وطافت بخاطري الأماني لو تم إيلاء هذه المدن الوادعة الصافية الاهتمام السياحي بالذات، وأقيمت على شواطئها البكر المنتجعات والفنادق، على أن توظَّف بيئتها الشاطئية دون تشويه أو احتكار، ولا تزاحم، إذ أهلها أحق أن يحتفظوا دوماً بمواطئ أقدامهم عليها فلا يبعدون منها أو يضايقون فيها. عدا عن رعاية الصيادين في هذه المدن، فهم وجهها الاقتصادي والسياحي كذلك، بل الاجتماعي والتراثي. كما أن إقامة المهرجانات والفعاليات السياحية تنعش مثل هذه المدن والبلدات الوادعة، ولا أقصد بها فعاليات (التسوّق) أو عروض الدراجات والسيارات الباهتة للأسف والتي تثير السخرية أكثر من الإعجاب. وأقول إنه يجدر بهيئة السياحة جلب الفرق المتخصصة في العروض السياحية ومن شتى الدول بما لا ينافي أخلاقنا وقيمنا، فيكفينا اجتهادات وتقليلاً من ذائقة الجمهور وتلاعباً بمشاعرهم.
أقول هذا عن الوجه ومثلها عن أملج وينبع، ولنفك الاختناق عن جدة لتستعيد هي الأخرى نشاطها وتعيد صياغة طرازها وتنهي مشاريعها. لدينا أماكن وبلدات ومدن باستطاعتها أن تكون ملاذاً للهاربين من صخب المدن وضغطها واكتظاظها، وبالذات تلك التي على الشاطئ الغربي الشمالي، ومثلها جزر دارين وتاروت وفرسان. على أن يفسح المجال لإقامة المشروعات السياحية للمتخصصين وتلك الشركات العريقة صاحبة الأسماء المعروفة بجودة خدماتها وعراقة خبرتها، ما يحدونا لقول هذا ضعف سوق المقاولات لدينا واستمرارنا في الهروب للأمام، وما تعثر آلاف المشاريع التنموية لدينا إلا دليل على كلامي، وأنتم أدرى كذلك.. دمتم في رعاية الله.
omar800@hotmail.comتويتر @romanticmind1