البرامج التي تستهدف الموهوبين لا تزال تسعى إلى بناء هوية علمية ومعرفية تحقق أبعاد العمل العلمي المثمر، وتسترشد بالحالة القيمية التي تتركها مثل هذه البرامج اللإثرائية للموهوبين والمميزين في أي مجال من المجالات العلمية والإبداعية التي باتت ضرورة ملحة لقيام المشروع الإنساني والحضاري الذي تقاس فيه الأمم، بل يُحدد من خلاله نموها وتقدمها و تطورها.

ففي هذه الأيام ولاسيما في الإجازة الصيفية تنشط العديد من البرامج الإثرائية والدورات المتخصصة الموجهة للطلاب والطالبات والمتعلقة بالمواهب واكتشاف القدرات من أجل الاستفادة من مثل هذه البرامج المعدة في هذا الوقت، حيث يتم استهداف هذه الطاقات الشابة والسعي لإنجاح برامجها و تحقيق نسبة من النجاح والتميز فيها.

إلا أن ما يلاحظ على هذه البرامج الاثرائية المتعلقة بالمجال العلمي والإبداعي والابتكاري أنها تذهب إلى فئة المبدعين أو الموهوبين وتَجِدُ في طلبهم، والبحث عنهم، فيما قد تغيب فئة أو شريحة كبيرة ممن يتمنون فرصتهم في مثل هذه البرامج، فالموهوبون في الغالب يكونون محدودي العدد، إلا أن هناك العشرات وربما المئات ممن سواهم يتوقون للمشاركة من أجل اكتشاف مواهبهم، وصقل تجاربهم، فمن المهم أن تكون مثل هذه البرامج موجهة للجميع من أجل صقل الموهبة واكتشافها عند الآخرين بلا استثناء.

كما أن قِصَرَ الفترات التي تعد فيها هذه الدورات والبرامج للموهوبين قد لا تحقق أهدافها المرجوة، إذ لا يتعدى بعضها ثلاثة أسابيع، وهذا قد لا يمكن الفاحص والباحث والمدرب من أن يقدم شيئا لمثل هذه المواهب، أما استهداف النشاط العلمي في هذه الفترات فإنه قد يكون قليل الجدوى، لأن قاعدة التلقي فيه تتطلب المزيد من الوقت، وتكثيف الجهد من أجل إيصال المعلومة التي تفيد الموهوب وترسم له الطريق الصحيح.

ميادين الإبداع كثيرة ومتنوعة فمن الأجدى في أنشطة المواهب واكتشاف الطاقات ألا تكون مكرسة لفئة، أو علم أو فن معين، وربما يصار إلى أن هناك حاجة ملحة لتفعيل الموهبة المعرفية والثقافية والاجتماعية كأهمية العلم تماما. فلا فائدة من علم بلا قاعدة ثقافية أو معرفية، ولنا في أسلافنا السابقين المثال الحسن، أي أنهم حينما يكتشفون من يبرز في مجال علمي أن يخضع لجرعات ثقافية وأدبية واجتماعية، حتى ترى أن هناك من يبرز في علم الإحصاء، أو الفلك، أو الطب، أو الصيدلة وهو شاعر، أو خطيب مفوه، أي أن هناك نقطة جوهرية يجب أن تتحقق في اكتشاف الموهوب والعمل على تنمية القدرات الأخرى لديه في أي مجال من مجالات العلم والمعرفة.

أضف إلى ذلك أهمية مراعاة سبل التطوير في أداء الموهبة وإنضاج مبتكراته من خلال تكثيف المشاركات المحلية والدولية، وبناء منظومات فاعلة للتعليم الذاتي وتكثيف الجوانب التطبيقية وبناء الخبرة والتخطيط السليم على نحو استثمار الوقت وإدارته، ليكون عنصر نجاح في عمل الموهبة وتطورها.