أمطرنا خطيب الجمعة بعدد كبير من مواد (فرمان) أعده أو اقتبسه، يُنظِّر لما يراه من ضرورة الجهاد المقدس ضد الحكم السوري ومن شايعه وناصره في حربه ضد الشعب السوري..!
كلنا نتفق على الجرم الكبير الذي ترتكبه العصابة الأسدية ضد الشعب السوري منذ حتى ما قبل انطلاق ثورة هذا
الشعب العربي الأبي، لكن من يجابه هذا الظلم الكبير وكيف..؟
اللافت في مواد ( فرمان ) خطيب الجمعة المتأثر بكل تأكيد بما يجري من كلام على الوضع السوري المتأزم .. اللافت ثلاث نقاط مهمة هي قوله :
1 - وجوب الجهاد والنفير إلى أرض الجهاد في سورية ونصرة المظلومين هناك بكل الطرق.
2 - على الحكومات العربية والإسلامية؛ تحمُّل مسؤولياتها في دعم الجهاد والمجاهدين بكل ما تستطيع من عدة وعتاد.
3 - على الحكومات الغربية تحمُّل مسؤولياتها في وقف العدوان على الشعب السوري، والتدخل لنصرة المجاهدين في سورية..!
أما الدعوة للجهاد هكذا؛ وهو في الأصل حق لولي الأمر من الحكام دون غيرهم، فهو افتئات على السلطة القائمة، وجهل أو تجاهل لخطورة هذا الأمر، وتوريط لأفراد وجماعات لا ذنب لهم إلا أن خطيباً مفوهاً أو شيخاً في برنامج أفتى بذلك، فدعاهم وحرضهم ونفرهم وهو جالس في داره، أو يتنزه في بلاد شرقية أو غربية، يتزوج النساء، ويركب الخيل، ولا يحرم أتباعه من تجلياته في تغريداته، أما أبناؤه ومن يعز عليه من أهله، فلا يسمح لهم بهذا الجهاد المقدس؛ حتى يعطي الفرصة لغيرهم من المستضعفين في الأرض..!
أما الحكومات العربية والإسلامية، فنحن نعرف أن لكل حكومة سياستها وطريقتها في معالجة الأمر حسب مصالحها ومقتضيات الأمر، فليس هناك حكومة راشدة؛ تنتظر من يقودها أو يسحبها أو يورطها بهذا الخطاب المفتئت، الذي ينطلق من فكر أحادي مسيّس.
أما الغريب والعجيب في هذا الفرمان؛ الذي أظنه مستوحى من مؤتمر لجماعات متأسلمة عقد مؤخراً بالقاهرة، فهو استئناس الدول الغربية الكافرة؛ بعد طول جفاء وتكفير ولعن من قبل هذه الجماعات في بلاد المسلمين، فلم يبق إلا أن يُطلب من هذا الغرب الذي كان كافراً فيما مضى، أن يقود الجهاد ضد حكومة الأسد وإيران..؟
سبحان مقلب القلوب..! عندما ثار الشعب السوري في بداية الأمر؛ كان همه الحرية والعيش الكريم في بلده، فلم يكن ينقص الجيش الحر سوى العتاد الذي يواجه به عدوه المتكبر المتجبر، فدخلت على الخط؛ عدة أطراف انتهازية، متنافرة متناحرة، بدون طلب من السوريين.. دخل الإيرانيون بحكم هيمنتهم على القرار السوري منذ زمن بعيد، وتوغلوا أكثر بواسطة ذراعهم القذرة في لبنان حزب الله، ودخل التكفيريون والجهاديون تحت لواء القاعدة، وهم الذين ما دخلوا بلدة إلا أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة.. انظروا ما الذي يفعلونه اليوم في تونس وليبيا ومصر واليمن.. دخل هؤلاء الحمقى بدعوى الجهاد والنصرة.. سلاحهم بنادق ورشاشات يزعمون أنهم سوف يواجهون بها مدرعات وطائرات وصواريخ الجيش الأسدي..!
هؤلاء الحمقى؛ ورّطوا السوريين الثوريين أكثر وأكثر، بل وتسببوا في إحراجهم أمام دول الغرب والعرب كذلك، لأن أياديهم ملوثة بالدماء، فهم إرهابيون بامتياز، ولهم عمليات إرهابية تشهد على قبحهم في كل قارات العالم، ووفروا للأسد وزمرته وإيران وروسيا أقوى حجة؛ يواجهون بها الدول التي تتعاطف مع الثورة السورية، وترغب في دعم الثوريين.
مرات كثيرة؛ وثوار سورية يقولون إن لا شيء ينقصهم إلا السلاح، ثم يأتي من يقحم نفسه في خضم معركة كانت تسير في صالح الثوار؛ ليفسد عليهم عملهم، ويؤجج عليهم، ويشوه صورتهم، ويحيل أرضهم إلى منطقة صراع طائفي، وإلى محرقة لقتل المزيد من المتأثرين بالخطاب الديني المنفلت، باسم الجهاد والنصرة، وتنفير الشباب إلى الجهاد المقدس.
التجربة الأفغانية قريبة عهد لمن ألقى السمع وهو شهيد، والجهاد الذي يدعون إليه دون سند سياسي من الدول، هو توريط وتأزيم لمشكل لا يحل بهذه الطريقة الخطابية الفجة، خاصة أن من يسمون أنفسهم بالجهاديين؛ ليس لهم قبول عربي ولا إسلامي ولا دولي، فكيف ينبري من بينهم من يدعو الدول العربية والإسلامية والغربية لدعمهم..؟!
إلى اللقاء..
آن لهذا القلم أن يستريح عدة أسابيع.. نلتقي على خير وفي خير - إن شاء الله -.
H.salmi@al-jazirah.com.saalsalmih@ymail.com