آلاف الأرامل في سورية مضرّجات بالدم وبالدموع وبالحزن وبالأسى ، ثمة بكاء ونحيب في سورية ، آلاف الأرامل يطبخن الحصى مع الماء لأولادهن، عابرات كالظلال المنكسرة بالقرب من شجرات الياسمين المنكسرة ، حتى كأن الشجرة هي الأخرى أرملة ، والمرأة شجرة في المجاز الشعري الجميل، لكنها في الحالة السورية غابة دمع وغابة صراخ وغابة ألم وغابة كثيفة من الحزن يسمعه الحجر والصخر الصلد ، ولا يسمعه البشر ، في هذه التراجيديا البذيئة التي صنعتها حرب عبثية بذيئة ، سنتان ونيف عجاف جفّ فيها عود السنبلة وعود المرأة وحقل الحنطة ونهر الماء ، أما «عيون المها بين الرصافة والجسر» ، فقد ملأها الرماد بدلاً من خط الكحل الأسود على الرمش الذي يذبح قلب العاشق لشدة رهافته ، لا شيء الآن من هذا القبيل ولو يعرف - علي بن الجهم - أن شعره العاطفي هذا يُستعاد في زمن الحرب لا في زمن الحب لأغلق فمه بالشمع الأحمر.
آلاف الأرامل يحدّقن في صف من التوابيت التي منها الصغير ومنها الكبير ، توابيت للطفولة وأخرى للكهولة وأخرى للعرائس الحسان والشباب اليافع، والدمع يتساقط على الخشب وعلى التراب وينداح في الماء، والشمس كالعادة، تصحو مبكراً، لتطرح السلام على الموتى وعلى الأحياء معاً ، لتطرح السلام على دمشق ، ودمشق أرملة هي الأخرى ، يتيمة وضائعة في ضباب معتم أسود كثيف.
في سورية تترمّل النساء والمدن والأشجار والبحر والنهر وبساتين التفاح وعرائش العنب وحقول الحنطة والينبوع وساقيات الماء ، أي تتحول إلى رمل أو كومة من حجارة أو إلى شيء يشبه التراب ، وما أصعب أن تتحول امرأة أو مدينة أو شجرة أو بستان أو حديقة أو ينبوع ماء أو تنور خبز أو ساقية ، من كينونة الكائن الجمالي الحي إلى كينونة التراب أو الرماد.
في سورية مشهد الدم النازف ، ومناظر الخراب والهلاك والدمار والفناء ، والأرض المحروقة ، وآلاف الأرامل ، يخجل من كل ذلك القلب.. ولكن أي قلب؟
ramadanalanezi@hotmail.comramadanjready @