العالم يموج بالأحداث، سواء في السياسة أو الاقتصاد، لكن نصيب عالمنا الإسلامي والعربي له نصيب الأسد من تلك الأحداث المزعجة والمؤلمة.
لِنَعُد إلى الوراء قليلاً لنجد أن ما كان يحدث من تغييرات سياسية يكون من خلال انقلاب العسكر على بعضهم بعضا، وكان تنافسهم منصباً على تقلدِ كرسي الحكم، ونشر مبدأ حزب بذاته حتى وإن كان ذلك الحزب لا يختلف عن منافسه إلا في بضع حروف في مسماه. واستمر الحال حتى ألِفنَا في بعض الدول العربية مشاهدة وجوه جديدة عديدة في فترة وجيزة. كلنا ندعي حبا لليلى، لكن ليلى والحب منهم بَرَاء.
وهناك من استطاع المكوث على ذلك الكرسي الوثير حتى أصابته المنية، أو نحاه بأسلوب جميل أحد رفاقه، ومع ذلك فإن ما ينفع الناس كان بعيداً كل البعد عن مطامح المتنافسين و أفعالهم، وهكذا كانت تلك الحقبة.
واليوم هناك حقبة جديدة، ومشهد جديد في مسرح الحياة على التراب العربي، ففيما يبدو أن جماهير عربية أخذت على عاتقها القيام بالتغيير، بعلمها أو بغير علمها، لكنها سائرة، فاختلط فيها العامة، والخاصة، والعلماء، والأقل تعليماً، لتكوِن مشهداً مؤلماً من الفوضى العارمة التي لم تنتفع بها تلك الجماهير التي بادرت بفعل التغيير، ظناً منها أن القيام بهدم البناء من أساسه سيسمح ببناء قصر جديد ينعم فيه ساكنوه بحياة اقتصادية واجتماعية وسياسية أفضل، لكن فيما يبدو أن الهدم قد بدأ وأخذت الجدران والسقوف تتهاوى، وقد توالت الأيام، ومعاول الهدم قائمة، حتى يصل البناء إلى نقطة يصعب معها إقامته من جديد، وحتى إن كان كذلك فقد أخذ أمداً طويلاً، وربما يكون أقل جودة ورحابة من البناء السابق.
يتسابق الناس في عالمنا العربي على الهدم ولم نر في الظاهر بصيص أمل في إعادة البناء، لكن الأمل سيظل قائماً لإيماننا المطلق بقدرة الله و عونه، إذا حسنت النيات، و قاد المخلصون الصادقون الجمع الغفير، وغيروا معاولهم الهدامة إلى أدوات بناء فاعلة.
لقد تم الهدم السياسي والاقتصادي ولا ريب، لكن هدماً آخر بدا جلياً، وهو الأطول و الأصعب، ذلك هو هدم البناء الاجتماعي، والنسيج المتماسك الممثل للكتل البشرية المتجانسة مع بعضها بعضا في بوتقة الوطن، وأخذ البعد عن الوسطية والعدل والميل إلى الكراهية والحقد، ونَبذِ الآخر ظاهرا فخرج بشكل واضح في الأفق، مدعوماً بآلة إعلامية هائلة، تنفِرُ ولا تُقرِب، وتُفرِقُ ولا تَجمَع، وتُؤلِّبُ ولا تُحَبب. فإن استمر الحال على ما هو عليه، فكل ما أخشاه أن يتجزأ المجتمع فكرياً وثقافياً واجتماعياً إلى طوائف، ومذاهب، وأعراق، تتقاتل فيما بينها بسبب رأي مخالف، أو مسلك غير متطابق، فتحدث الفرقة، وتتحارب الأمة الواحدة.
إن زرع بذرة التطرف والبعد عن الوسطية والاعتدال ستكون بذرة لجيل قادم، وقد يصعب مراسه، وربما يتجاوز بفكره ما عاشته الأمة الإسلامية ومازالت تعيشه، وستكون تبعاته أشد مما هي عليه الآن، وسيكون العالم أكثر حذراً من هذه الأمة الإسلامية التي تشربت بالإسلام العظيم الذي يدعو إلى المحبة والإخاء، والتسامح والتعايش مع الآخرين، ولعل التاريخ يشهد بما نشره الإسلام من فضائل جمة، وما عاشه المسلمون وغير المسلمين من تآلف ومحبة مع تباينهم في المعتقد والمذهب والعِرق، فكان ومازال الإسلام ديناً جامعاً لكل الفضائل.
فلعل المسلمين يعرفون حقيقته ويلبسون رداءه النقي الطاهر الخالص من شوائب الحقد والبغض والتطرف.
سائلين الله أن يديم علينا نعمة الإسلام والأمن والأمان، وأن يجنبنا الشرور والفتن إنه جواد كريم.