دون العودة إلى تاريخ العلاقات العربية الإيرانية المليئة بالتجاوزات الإيرانية المتعددة والتي عانى وما زال يعاني منها العرب منذ النشأة الأولى لهذه الدولة تبقى سياستُها تحمل العقلية نفسها التوسعية التخريبية المتعالية التي كانت تحملها خلال القرون الوسطى.. وتعد المحيط العربي حديقة خلفية لها وكأنما وجود العرب إلى جوار إيران خطأ كوني وتاريخي تريد تصحيحه بضم المنطقة لكيانها الإمبراطوري الزائف. وهذا ما تحلم بتحقيقه عبر حقب تاريخية متتالية.
ففي كل يوم يكشفُ النظام الإيراني ورقة جديدة من أوراق صحائفه الإجرامية تجاه الدول العربية بشكل عام ودول الخليج العربي بشكل خاص.. وفي كل يوم يزداد تطفلُه على المجتمعات العربية حتى أثبتت سياسته العدائية المختبئة داخل عباءات الولي الفقيه بأنه صيادٌ خبيث يبحثُ عن صيد ثمين في مناطق موبوءة بالأزمات، وإن لم يجدْها فإنه يصنعُها..
لقد استطاعت إيران في ظل غياب مشروع عربي موحد لمواجهتها تمريرَ كثير من حلقات مخططاتها..ووجدت من التشيع متراساً يحمي هويتها القومية والثقافية.. ورمحاً يطعنُ من الخلف وسهماً تخترق به الدول العربية.. وإذا ما قرأنا بتمعن السياسة الإيرانية الخبيثة نجد أنها قد اعتمدت التغطية على مآربها الحقيقية من خلال جعل القضية الفلسطينية غطاء لكسب التعاطف العربي والإسلامي.. ومن أقليات الشيعة في البلدان العربية حصان طروادة لمخططاتها.. ومن معاداة أمريكا والكيان الصهيوني شعاراً لها.
ففي الوقت الذي راح النظام الإيراني ينفث سموم الطموحات لتخريب الواقع العربي من خلال تدخلاته عبر خلاياه التي يزرعها في بعض من بلدان الوطن العربي ظل العرب من المحيط إلى الخليج حكاماً وسياسيين ومثقفين.. شباباً ومفكرين في صمت تام أمام التمادي والتحدي وضروب التهديد الإيراني إلى أن أصبح الوطن العربي في زمن يعيش فيه أسوأ فترات تاريخه من الضعف والفرقة والهوان بسبب فقدان الإرادة المستقلة المنبثقة من الواقع الوطني الموضوعي.. وتغلب النزعة الضيقة على مصالح الشعوب والمجتمعات والأوطان باللجوء إلى سياسة المحاور المتنافرة.
وعندما دقت بعض الأنظمة العربية ناقوس خطر مجابهة الطوفان الثوري في أوطانها بدتْ إيران مطمئنة تماماً إزاء كل التداعيات الأولية لتحركات الشعوب المنتفضة ضد أنظمتها، بل إنها خرجت تبارك وتؤيد هذه الثورات واعتبرتها وفقَ منظورها.. تُمثِلُ امتداداً لثورة إيران التي حدثت عام 1979م.. وأنها تتمحور حول قيم الثورة الإيرانية نفسها المتمثلة بإطاحة الطغاة وعملاء الغرب -حسب زعمها.. وأنها معاداة لأمريكا وإسرائيل وبالتالي فقد رأت أن هذه الثورات ستؤدي إلى تقوية موقع إيران في المعادلة الإقليمية.. ولكن ما أن وصل المد الثوري إلى سوريا سقط قناع الزيف والخداع عن وجه أصحاب العمائم الإيرانية، وامتدت مخالبهم إلى الأرض السورية لإنقاذ طاغية الشام من براثن السقوط أو الرحيل.. وبالتوازي مع مناصرتهم لنظام الأسد لجأت إيران إلى أساليب التحذير لجيران النظام.. ووجهت رسائل لأطراف دولية وإقليمية خلاصتها أن طهران لن تسمح بتغيير التركيبة الإستراتيجية للمنطقة أو استهداف العمق الجغرافي والسياسي للمنطقة من خلال إسقاط النظام السوري.. (يتطاول أصحاب العمائم الإيرانية وكأنهم وكلاء بالتوريث عن الأمة العربية).
إصرار إيران على التمسك بالأسد ونظامه دفعها بزج آلاف المقاتلين من جنودها للمشاركة جنباً إلى جنب مع حليفها اللبناني حزب الله في إراقة دماء الشعب السوري تحت وقع الضربات والعمليات العسكرية المستمرة.. فتحول الصراع في سوريا إلى صراع وقتال مفتوح بين الأقطاب الدولية، والضحية هو الشعب السوري.
الواقع المتأزم والمشهد السياسي المرتبك الذي تعاني منه المنطقة العربية يدفعنا للتساؤل عن الأسباب التي تجعل من إيران دولة تشكل خطراً يهدد أمن وسلامة المجتمعات العربية!! هل هو ضعف الأجهزة الأمنية في الوطن العربي وعدم قدرتها على حماية أمنها؟ وأعتقد أن هذا مستبعد.. أم بسبب ضعف القرارات السياسية للحكومات العربية مما شجع إيران على التمادي والتدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول وتهديد أمنها واستقرار مجتمعاتها؟ أم بسبب غياب المشروع العربي الموحد والقادر على التعامل مع إيران بطريقة تجعلها تدرك أن دول المنطقة العربية دول مستقلة ترفض رفضاً تاماً المساس بأمنها واستقرارها أو التدخل في شؤونها الداخلية؟ أسئلة كثيرة تُطرح وتحتاج إلى إجابة.
zakia-hj1@hotmail.comTwitter @2zakia