* قال لي: هل أنت علماني أو ليبرالي؟ قلتُ: أعوذ بالله أنا عالميٌّ ولستُ علمانيّا ولا متعولماً قال: لكنك تستعمل الهاتف وتشاهد التلفاز وتركب السيارة والطائرة والقطار قلتُ له: هل حرَّم الإسلام هذه الوسائل بنص من الكتاب أو السنة أو بإجماع علماء الأمة؟ قال: لا قلتُ له: ألم أقل لك إنِّي عالمي؟
* قال: وتستخدم الطاقة الكهربائية والمكيف والمكنسة الكهربائية وأدوات أخرى مستوردة -في منزلك- لا تستغني عنها قلتُ له: وهل لديك دليل على تحريم ما ذكرتَ؟قال: لا قلتُ لهُ:إذن فأنا عالميٌّ
قال ولديك [كمبيوتر] وحساب بموقع التواصل المشهور بفيس بوك ولك موقع الكتروني وبريد الكتروني وتستخدم الجوال قلتُ له : هل لاحظت في مواقع التواصل هذه منشوراً- لي- يتعارض مع تعاليم وقيم الدين الإسلامي؟ قال: لا قلتُ له: إذن فأنا عالميٌّ ثم قلتُ :إنَّ الإسلام لم يدع شأناً من شؤون الحياة إلاّ احتواه وبيَّنه حتى علَّمنا كيف نتعامل مع غير المسلمين. فلم يحرم علينا تصدير النفط ولا باقي المعادن ولم يحرم علينا تصدير ما نحتاجه من مصانعنا ومنتجاتنا كما لم يحرم علينا استيراد ما نحتاجه من أسلحة نعدها من القوة المشار إليها في قوله: [وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة] كما لم يحرم علينا أن نستورد من غير المسلمين كل مباح وما ذلك إلا لأن ديننا شاملٌ كامل ألم يقل الرسول- صلى الله عليه وسلم- [تركتم على المحجَّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلاَّ هالك].
* أنا عالميٌّ لأنَّ دين الإسلام محتوٍ على كل ما يحتاجه الإنسان في هذه الحياة فلم يدع جانبا من جوانب الحياة سواء الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية إلاَّ أورده مفصلا واضحاً.
* أنا عالميٌ لأنَّ الدين الإسلامي دين المحبة والتأليف بين القلوب ودين العدل والمساواة والرحمة والوسطية والإيثار والتضحية والوفاء والخير والكرم والشهامة والصدق والإباء والتسامح.
* أنا عالميٌّ لأنَّ ديني الإسلامي دين الحضارة والعلم والعزة والمجد والتراث الخالد وهو والعلم صنوان لا يفترقان أبدا.
أنا عالميٌّ لأنَّ منهجي في الحياة كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ثم ما اجتمع عليه علماء أمتي.
* فلا مرحباً بالعولمة أهواءً تبعدنا عن هويتنا الثقافية ولا مرحباً بها تفرض منهجها الرأسمالي على نظامنا المالي الإسلامي ولا مرحبا بها لا تمنحنا حريَّة الملكية الفرديَّة ولا حقوق المجتمع على الفرد ولا مرحباً بها تخترق قيمنا وأخلاقنا الإسلامية وتفصل ديننا عن العلم علمنة مرفوضة قال تعالى: [وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين][1]
* إننا نريد أن نكون مسلمين دينا وحضارة وعلماً نؤمن بالله تعالى وما أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم من كتاب وسنة ونطبقهما سلوكا واقعياً في حياتنا كلها.
لا نريد أن نكون ممن قال الرسول عليه الصلاة والسلام فيهم [قلوبهم قلوب الأعاجم وألسنتهم ألسنة العرب]
وقد أكد هذا المفهوم الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله وأسكنه فسيح جناته- في الاحتفال الذي أقيم في مكة في 25-6-1344هـ - بقوله: [ إنَّ التمدن الذي فيه حفظ لديننا وأعراضنا وشرفنا فمرحباً به وأهلا أما التمدن الذي يؤذينا في ديننا وأعراضنا وشرفنا فو الله لو قطعت منا الرقاب وذهبت فيه العيلات لم نرضخ له ولم نعمل به] [2]
* قال لي صاحبي : هل العلمنة تسعى لإفساد الشعوب قلتُ : بل بإقصائها الأمور الدينية والمعتقدات الإلهية عن باقي مجالات الحياة إن تعارضت مع مصالح ذويها فهي لا تعتبر مفسدة فقط بل ومدمرة المجتمعات أيضاً : أما العولمة فهدفها الأساسي هو السيطرة على العالم فهي مع كل الأديان ومع كل التوجهات لكنها تمحو هويات الأمم الثقافية فلا قيمة عندها للمثل والقيم إذا تعارضت مع أهدافها -أيضاً- وهي تختلف عن العالمية الإسلامية لأنها تفرض أنماطا حضارية على الأمم والشعوب بغية الهيمنة على مقدَّراتها، أما العالمية الإسلامية فتسعى للحوار مع باقي الحضارات لإثرائها بقيم حضارية إسلامية والاستفادة منها[فإذا كانت العولمة إلزاما واحتواء فالعالمية الإسلامية احتواء وحوارٌ وإثراء] [3] لذلك نادى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيزلحوارالحضارات والأديان انطلاقاً من هذا المفهوم، ولذا أنا عالمي لأن من يتخلَّى عن هويته الثقافية والدينية وتراثه لمصالح دنيوية على علم يعتبر خائناً لدينه ثم لوطنه وأمته وذلك [لأن الحاصل بين الناس من لدن آدم إلى يومنا هذا أنه عندما يهدِّدُ خطرٌ خارجي أمَّةً من الأمم فإن جميع الطبقات تتَّحد لمحاربة هذا الخطر الداهم الخارجي إلا إذا كان أحد أفراد هذه الأمة خائناً ولا يمكن أن توجد طبقة بأكملها خائنة إلا في حالة الشيوعيين إذا اعتبرنا أن الشيوعيين يكوِّنون طبقة تجاوزاً لأن الشيوعيين في أية دولةٍ يتجمعون عادة من عدَّة طبقات تعتنق فكراً واحداً فيوجد أصحاب المهن والعمال والتجار ولا يُمنع من أن يوجد بعض الأثرياء الشيوعيين كما هو حاصل فعلا في بعض البلدان. فالشيوعيُّ ينسلخ من دينه وقوميته ويخون وطنه لمصلحة روسيا والصين، وفيما عدا حالة الانسلاخ هذه فإن الطبقات جميعها تتحد لمواجهة الخطر الخارجي] [4] هذا ما أورده الدكتور عباس حسني في كتابه اتجاهات النهضة والتغيير في العالم الإسلامي وأنا مع استحساني لما أورده لا أوافقه على حصر خيانة الأوطان والشعوب على بلد معين وذلك لأن الإنسان هو الإنسان في كلِّ زمان ومكان والخيانة حاصلة في كل الأوطان بدون شكِّ إلا أنها تتفاوت من وطن لآخر بما تمليه ثقافات وعقائد الأوطان ووعي ضمير الإنسان لذلك نجد الشعوب المنفتحة بدون قيود عقدية وقيم إنسانية إسلامية وانضباط عقلي يعي خطورة الانسلاخ عن الهوية الثقافية هي أكثر تقبلا لمغريات العلمانيين أو اللبراليين، ومالك إلا أنها تتفق مع أهوائهم ومفاهيمهم المستقاة من تشريعات البشر المبنية على العواطف التي توقظها الضغوط الاقتصادية والشهوات الجنسية ونجدها أقل تقبلا في الأوطان التي تدين بشريعة رب السماء وهي التي لم تتجاوز خطواتها الثقافية والاقتصادية ولاجتماعية والسياسية النهج السليم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فكان لهذه الأوطان الإسلامية حقٌّ إن قابلت العلمنة والعولمة بالرفض والتصدي لتحد من انتشارها.
ولأن من يحاولون نشر العلمانية- لتحل المكان الذي يرضيهم- دائبون لتحقيق هدفهم بذلوا ويبذلون ما يستطيعون لترسيخ كيانها، فهم دائبون أيضاً لانتشارها بأساليب متنوعة سأكتفي هنا بما اتضح للإنسان الواعي من إغراءات تبذلها لتخلع الشعوب المتمسكة بدينها وهويتها الثقافية أثوابها ليلبس أفرادها ما قاسوه وخيطوه هم من أثواب لا يقيم أصحابها وزناً لأصالتهم ومعتقداهم وقيمهم الإنسانية إذا تعارضت مع مصالحهم العامة.
ومن إغراءاتهم المبذولة لتحقيق أهدافهم التي يريدون بها انسلاخ الشعوب عن ثقافاتهم قبل السيطرة على ثرواتهم:
1-إيجاد مثقفين متشبعين بأهدافهم وهم من تراهم تربات خصبة يزرعون فيها ما شاءوا ليروجوا لهم ما أرادوا قولاً وكتابة وممارسة.
2- إنشاء جوائز مغرية تمنح للمثقفين وغيرهم ممن يخدمون أهدافهم وإن بدت في ظاهرها أنها للمتقدمين لهاجميعاً بدون تخصيص.
3- الإشادة بالأعمال والاتجاهات التي تضمن لعلمنتهم الانتشار بالذين لا يملكون من المعارف ما يحميهم ومن الحصانة العقائدية ما يردعهم.
4- تذليل وسائل النشر السريع لمن يرون فيهم بوادر هوى يرنَّح طموحهم ليوقعوهم صرعى في شباكهم التي لا يتخلص منها بسهولة سوى من حكَّمَ عقله فرجع صادقاً لثقافة أسلافه بعد الرجوع لهدي خالقه جلَّ وعلا كابحاً -أمام مغريات العصر- كل رغباته.
5- تزيين العلمانية أو للبرالية من قبل أتباعها المتأسلمين لشباب المسلمين ليصل الجهل ببعضهم الافتخار بها فنسمع من يجاهر بقوله أنا علماني أو ليبرالي غير مدرك أن بعض مضامينها تتعارض مع عقيدته ودينه.
6- تسخير بعض أتباعهم الساذجين ليكونوا حواجز تحول دون تقدم المبدعين الموالين لتراثهم وثقافتهم الأصيلة المستمدة من وحي السماء وعراقة المنبت الطاهر الأصيل.
ويؤيد هذا ما ذكره الأستاذ أحمد محمد حسانين من محاضرة بعنوان العولمة والأدب.. إشكاليات وآفاق إذْ جاء من عناصرها [انعكاسات العولمة على بعض ظواهرنا وقضايانا الأدبية] وبيَّن هذا العنصر بقوله: [أحاول هنا أن أرصد بعض القضايا والظواهر الأدبية التي ارتبطت بتواجد العولمة وتأثيراتها المطروحة في واقعنا الثقافي ولعل ما يأتي في مقدمة وأبرز هذه الظواهر.
أ- ظاهرة جائزة نوبل والدوافع التي تقف وراءها وخلف معاييرها والجدال الذي تركته حول حصول كاتبنا الكبير نجيب محفوظ عليها وبالذات عن[ أولاد حارتنا] والتي رأتها اللجنة أعظم إبداعات محفوظ رغم تميز أعمال أخرى كثيرة له ربما أكثر تميزا من أولاد حارتنا بمراحل عدة من النواحي الفنية.
ب- تلك الاحتفالية المصحوبة بضجة غير مقدسة من دوائر الفكر والسياسة والنقد الغربي وخاصة في بريطانيا وأمريكا حول كتاب [آيات شيطانية] للكاتب الهندي سلمان رشدي الذي لاقى تعاطفاً وحماية غربية بغير حدود لا لشيء سوى أن كتابه يتضمن افتراءات بالغة الوقاحة لأمهات المؤمنين.
والتساؤل هنا هل لو كانت آيات سلمان رشدي الشيطانية تتناول رموزاً صهيونية أو يهودية أو غربية هل كانت ستنفجر من أجله مظاهرات التأييد الهستيرية في شوارع لندن وباريس ويعلن البرلمان الأوربي في سترسبورج تأييده له وتتولى دار [بنجوين] وهي أكبر دار نشر في بريطانيا بتعهد كتابه بالرعاية ؟ أم أنه سيحاصر ويطلق عليه رصاص الإرهاب الفكري من كل صوب مثلما حدث مع الفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي الذي لا يتبنى كثيراً رؤى الغرب وأساليبه]؟ [5]
ويستمر الأستاذ أحمد حسانين فيستشهد بنماذج مشابهة احتفوا بأصحابها لأنها تمس القيم الإسلامية ولا تقيم قيمة للأخلاق الإسلامية والعقائد المستقيمة وهذا ما يحمل الواعي على أن يقول للمبدعين الذين لم يتخلوا عن هويتهم الثقافية لا تتوقفوا إذا حجبوا عنكم بعض الجوائز إذا كنتم واثقين مما تسهمون به لإثراء الساحة العلمية والأدبية فليست كل الجوائز أنشئت لأهداف سامية وليس كل من فازوا بما فازوا بأفضل منكم عطاءً وإبداعاً ومعرفة، ويكفيكم فخراً أن انتماءكم لأوطانكم ومجتمعاتكم صادق لم يؤثر عليه إغراء ولم يصرفه هوى.
*وإذا كان في هذا خطر على الثقافات الأصيلة التي تبني الإنسان بناءً صحيحا وتحمي سلوكه الإنساني من الزيغ والشطط فلا يستطيع ذوو الأهداف السامية السيطرة السِّلمية على المواقع التي تسعى جاهدة لطمس الهويات الثقافية لإدراجها بعد تشويهها في بوتقة أفكارهم وأهوائهم وإخراجها بعد صهرها منسجمة مع تطلعاتهم المستبدة ومصالحهم التي لا تقيم للهويات الثقافية وزناً ما خالفت أهواءهم، كما لا يستطيع ذوو الأهداف السامية النبيلة تغيير سوء نيات من يقفون وراء من يخططون بدون انقطاع لتسيير العالم في الدرب الذي رسموه محققاً مصالحهم الدنيوية صارفين النظر عما يضمن سعادة الدنيا الآخرة معاً لذا يقف السوي العاقل خائفاً حذراً.
* وبالمفاهيم السابقة يتجلى لنا أن لمن لا يحيدون عن تعاليم دينهم وتقاليدهم الأصيلة في إسهامهم الثقافي أمام العلمنة والعولمة خياريْن هما إما عدم النظر لكل ما يجري ويقال ويكتب لتمرير مصالحهم وعدم التعامل معهم بأي وجه من الوجوه وبهذا حجرنا على نفوسنا بمنع بعض ما أباحه الدين الإسلامي لنا وإما الاطلاع على كل صغيرة وكبيرة للتصدي لكل من يريد تشويه حقائقنا الثابتة ويطمس معالمنا المشهورة ورموزنا الإسلامية الصادقة، وهنا يجب أن نحصِّن نفوسنا بالإحاطة بثقافتنا الإسلامية لمعرفة محاسنها وإيجابيتها للرد على كل آثم معتد بحجج نابعة من معارفنا المستقاة من وحي رب السماء ثم إسهامات مفكري الدين القويم مع الاستفادة من كل ما ينمي أفكارنا ويوسع مداركنا من أنشطتهم التي لا تمس ثوابتنا والتعامل معهم وفق ما أباحه ديننا بالشروط التي يلزمنا بها.
* أما من ينتمون لنا وللإسلام اسما فقط وهم وأنشطتهم وإسهاماتهم الفكرية والإبداعية علمانيون بكل ما تعنيه العلمانية من أهداف وهيمنة يأباها العقل السليم، فبعض هؤلاء ليس لديهم حصانة معرفية تمنعهم من الاندراج بالهوى مع من تعلمنوا جهلاً وبعضهم ركبوا الصهوات وهم عارفون بالنتائج لكن مع الأسف أغراهم البريق الزائف فتخلوا عن كل جميل لضده إما لنيل شهرة أو مال أو مكانة متناسين عواقب ما اقترفوا في حق أوطانهم ومجتمعاتهم.
فليت من يعلمون ومن لم يعلموا يعرفون أن دينهم عالمي بشموله وكماله في كل شأن من شؤون الحياة بدون استثناء ليقول كل واحدٍ منهم أنا عالمي بديني ومعتقدي ولغتي قال صاحبي: إذن فأنا عالمي قلتُ: قل: مسلم عالمي.
وقلتُ:
* من شعري
يتعوْلمون بلا هدى
لا ضير لو خالفتُ وحدي [6]
- السطر الأخير
- إنَّ الساحات -أيها الموغلون في الإساءة- لم تمتلئ وما زال الركض مستمراً لكن الأعمال بالخواتيم [فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره].
***
الهامش
1- آية 77 من سورة القصص
2- العولمة وأبعادها الإستراتيجية للدكتور أنور عشقي صفحة [14]
3-العولمة وأبعادها الإستراتيجية للدكتور أنور عشقي صفحة 15
4-اتجاهات النهضة والتغيير في العالم الإسلامي للدكتور عباس حسني صفحة 101و 102
5- مجلة الأدب الإسلامي في عددها [46]
6- من قصيدة بلا أهواء المنشورة في ثقافية جريدة الجزيرة في 16-5-1434هـ
dammasmm@gmail.com