هناك عبارة تتردد على الشفاه، وتثبتها الأحداث يوماً بعد يوم مفادها: (أجهل ما يجهله الإخوان الدين والسياسة)، واعتقد أن هذه العبارة رغم قسوتها، ورغم أنها تنسف مقولة: إن (الإسلام هو الحل) الشعار الذي يرفعه الإخوان المسلمون، هي استنتاج يُصيب كبد الحقيقة.
مفتي الإخوان عبدالرحمن البر، الذي يُعتبر الموجه الديني والشرعي الأول للجماعة، كان قد (روى) خبراً مصدره (كِهانَة) تكهنها- كما يزعم - حاخامُ إسرائيلي (تنبأ) فيها بأن الرئيس محمد مرسي، هو (محمد الثالث) الذي سيسقط إسرائيل ويفتح القدس، وقد تناقلت الخبر في حينه الصحف المصرية، من باب السخرية والتندر بسماحته.. أن يُروج (مفتي الجماعة) لخبر كهذا يدل على أنه لا يفهم أساسيات العقيدة التي يفهمها حتى أطفالنا، فهو بمقولته تلك ينسف العقيدة الإسلامية بإجماع علماء المسلمين التي تُحرم عملاً كهذا على عامة المسلمين وجهلائهم، بل وتعتبر من أقدم عليه (قد كفر بما أنزل على محمد)، إضافة إلى أنه ترويج مُفلس (للخرافة) لا يُقدم عليه حتى من يحترم نفسه من مثقفي غير المسلمين؛ فكيف يقول به ويُروج له من يتبوأ مركز (المفتي) في جماعة الإخوان؟.. ما يُشير إلى أن أساطين هذه الجماعة أجهل الناس بعقيدة المسلمين، التي يزعمون أنهم يستقون منها حلولهم الحياتية كحركة سياسية.
أما في السياسة فضلاً عن الاقتصاد فحدث ولا حرج. فهم ومن يتولون إدارة شؤون السياسة ناهيك عن الاقتصاد منهم، يقعون بين قولين: قول مُجامل يوافق على أن خبرتهم السياسية والاقتصادية في الحضيض، لكنه يطلب أن يُمنحوا فرصة كي يتعلموا السياسة، ويُتقنوا فنونها، وكيفية إدارتها، قبل محاسبتهم.. وقول آخر يؤكد أن الفشل هو نهاية حتمية لهم، ويجب أن تكون متوقعة وغير مفاجئة لأناس لا يفهمون من السياسة إلا أنها مجرد امتطاء للدين كذريعة للوصول إلى السلطة، ثم (التشبث) بها، وسحق من يُناوئهم، كما فعل ويفعل الخمينيون في إيران، وكما تفعل حركة حماس في غزة مع معارضيها؛ ولعل السنة الأولى من حكمهم، وأرقام نتائجهم المخيفة، تؤكد أن تحملهم والسكوت عليهم يعني أن كرة الثلج المتدحرجة من أعلى التل، ستظل تكبر وتتضخم، حتى تقضي على مصر واستقرار مصر وكل ما بناه المصريون طوال تاريخهم، هذا طبعاً إذا لم تمتد تداعيات عبثهم السياسي إلى المنطقة، حيث توجد (يرقاتهم) بكثرة، فتتسع رقعة التدمير إلى أكبر من مصر، وهذا بالمناسبة أمرٌ يجب أن نضعه نصب أعيننا في التعامل مع ظاهرة الإخوان كظاهرة تعم المنطقة ولا تقف عند حدود مصر؛ لذلك لا يمكن التسامح والمجاملة معهم، فالأوطان ليست محلاً لتجارب جماعة ليس لديها أصلاً مشروعاً سياسياً ولا اقتصادياً ولا اجتماعياً، سوى التبشير (بدولة الخلافة) كرغبة وكغاية، وأنهم، وليس غيرهم، من سيعيدونها (فتيّة) كما كانت من قبل. وعندما تسألهم سؤالاً بسيطاً مُؤداه: كيف؟.. لا تجد لديهم سوى (التفكير الرغبوي)، الذي يجعل من الرغبة، وليس الكيفية، مبرراً كافياً للنجاح.
وكما يعرف الجميع، فإن الذي ساند الإخوان لتولي السلطة في مصر، وضغط على الجيش لقبولهم، هم (الأمريكيون)، من منطلق أن يُمنحوا الفرصة ويُجربوا طالما أن شعبيتهم هي الأوسع في مصر، فإن نجحوا فلا بد من التعامل معهم، وإن فشلوا فستقتنع الشعوب أن الإخوان لا يختلفون عن بقية (الظواهر) السياسية العربية، وتتخلى عنهم مثلما تخلت عن القوميين العرب بجميع أطيافهم بعد أن جربوهم، وعرفوا أن (الشعارات) والخطب العنترية ومغازلة العواطف والوعود الوردية مجرد جعجعة لم تنتج قط طحيناً ولا خبزاً.
مشكلة هذا المنطق أن من يقول به لا يعرف الحركات السياسية المتأسلمة حق المعرفة على ما يبدو، فهذه الحركات إذا وصلت إلى السلطة فلن تتركها إلا بالدم والتدمير؛ وكلنا سمعنا ما قيل ومازال يُقال من بعض أساطين الإخوان بأنهم سيحرقون البلد، ويقلبون عاليها على سافلها، إذا وجدوا أنهم مُجبرون على ترك السلطة لغيرهم، وهم - بالمناسبة - يعنون ما يقولون؛ فتاريخ الحركات السياسية المتأسلمة (الدموي) يؤكد جدية تهديدهم، فلا يحتاج الإخوان إلا (إعلان الجهاد) على أعداء الله، الذين هم طبعاً أعداؤهم، ليصبح نحر المعارض (العدو الكافر) قُربة يتقرب بها أتباعهم إلى الله وهم يُكبّرون؛ عندها يصبح اقتلاعهم من السلطة تماماً مثل اقتلاع بشار من السلطة في سوريا. فهل يدرك الأمريكيون ذلك؟
إلى اللقاء