|
أما المرتكز الثالث: فهو.. (النفوذ).. أو.. (الجاه)..،. ويمثله الوزير الأول -حينذاك-.. (هامان)..، وهو أشهر الوزراء المستبدين في الأرض الذين ذكرهم الله في القرآن المجيد. وما يملك من سلطات وآليات وأدوات الحكومة التنفيذية. وبكل أدواتها من تشريد وسجن وتعذيب لعدم وجود من يردعه. ولأن هامان كان يخوف فرعون بأنه هو حامي عرشه، وحامي حياته، وحامي عائلته وغيرها، فكان فرعون يقبل كل ما يراه هامان. وفي هذا الجانب يقول أبو حيان الأندلسي عن أهم سبب لسقوط الدولة الأموية بالأندلس: ((إن السبب هو استئناس الضمير بوهن الشرف)). وكان يقصد الاستبداد.
وعندما فكر وزاد جبروت وتسلط وديكتاتورية.. (فرعون).. وعميت بصيرته طلب من وزيره الأول.. (هامان).. بناء صرح له لعله يبلغ الأسباب. قال تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ} (غافر:36). في هذا المقال مجرد محاولة أحاول عبرها أن أرصد بعض الجوانب المعلنة في المواقف بين المثقف والسلطة، فلذلك سوف أقوم بذكر بعض مقولات ومواقف المجربين من الأئمة والمصلحين والمثقفين والشعراء والكتاب وغيرهم، وعلاقتهم مع الحاكم وسلطته والحواريين المحيطين به، كما أهدف من خلال هذه القراءة أن أزرع ضميرا حيا داخل تجاه تلك الأشياء والقضايا. أعتقد أنني ازددت نضجاً وتجربة بمرور الأيام وزيادة التجارب ومضاعفة الأزمات يضاف لذلك تقدمي في العمر، وأرجو أنني ما خيبت أمل أحد من مواطني هذا البلد الغالي، وعذري أنني قد اجتهدت وأخطأت وأصبت. ولم أخط أي خطوة، ولم أتخذ قراراً أو شاورت أحدا إلا بحثاً وتحقيقاً للصالح العام، ولم أنظر أبداً إلى ما هو عائد إلى شخصي والحمد الله. رغم قناعتي بمقولة فولتير: (من الخطر أن تكون صائباً عندما تكون الحكومة مخطئة)). ولم أعش ميتا ثقافياً سواء في الانفجار الثقافي أو خارجه.
وأما المقولات أو الأقوال والحكم والعبر التي جذبتني في هذا الجانب كثيرة جداً أذكر بعضها على سبيل الربط بين الرابط والمربوط منها:
تقول الأديبة اللبنانية العظيمة مي زيادة:
لا تحسبوا أن رقصي بينكم طربٌ
فالطير يرقص مذبوحاً من الألم
ويقول فولتير: (من لم يعرف عمق الألم لا يعرف عظمة الفرح).
ويقول محمد مزالي رئيس وزراء تونس في عهد الحبيب بورقبية.: (وهكذا قررت أن أترك الجلاد ينتظر وهو يمسك بالحبل الذي أعد لشنقي).
وهذه أقوال أخرى تحكي سيرة وتاريخ وتجربة لبعض المصلحين والمثقفين والمفكرين مثل:
قول طه حسين: (لا يصنع الرجل العظيم إلا الألم العظيم).
ويقول المتنبي:
ما كنت أحسبني أبقى الى زمن
يسيء لي فيه كلب وهو محمود
وأيضا يقول جبران خليل جبران: ((ليس لي أعداء يا رب!، ولكن إذا كان لا بد من وجود عدو لي، فاجعل يا رب. قوته مضارعة لقوتي، حتى لا تكون الغلبة إلا للحق)). كما قال جبران خليل جبران: ((لا يحسدني ولا يبغضني إلا الذين دوني)).
أما الشاعر السوداني معروف مسعود الصافي. عندما قهر في مجتمعه وشعبه قال بيتا لم يسبقه إليه احد فقال:
شعب إذا ضرب الحذاء بوجهه
صاح الحذاء بأي ذنب أضرب
أما الشاعر الكبير عمر ابو ريشة قال في بعض فئات وشرائح المجتمع:
أمتي كم صنم مجدته
لم يكن يحمل طهر الصنم
ويقول سبنسر: (اذا جعلنا من انفسنا حميراً، فإننا نسمح بركوبنا لمن شاء).
أما الشاعر والفيلسوف العظيم ابو العلاء المعري الذي طرده المجتمع من داخله فقال:
من لي أن أقيم في بلد
أذكر فيه بغير ما يجب!.
ويقول: الدكتور مصطفى السباعي: لكل مجد مكافأة، فمن جد في طلبه العلم كوفئ باحتياج الناس إليه، ومن جد في بذل المعروف كوفئ بثناء الناس عليه. ومن جد في معالي الأمور كوفئ بالزعامة. ومن جد في رضا الله عز وجل كوفئ بذلك كله في الدنيا وتزاد له الجنة في الآخرة.
أما برناردشو عندما ظن أن الناس حوله لم تفهمه، ولم تستوعب تجربته قال: (إن جنوني إني أرى الأشياء على حقيقتها بينما يراها الناس على غير حقيقتها فمن منا العاقل؟).
وأخيراً أختم هذا المقال بقول: سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه. (اللهم اجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون).
وأرجو الله أن يعفو عمن تحامل علي بغير حق، وأنا (سامحك الله) ايها المتحامل عليّ لم أسقط، بل أنا مرفوع الرأس، وسأظل كذلك حتى يستعيد ربي أمانته مني والحمد لله.
أديب وكاتب سعودي
twitter: Drzkutbi