هناك قناعة سيادية، وشبه اتفاق نخبوي، وحديث مطرد في الأوساط الشعبية “الذكورية والأنثوية” على حد سواء عن ضعف مخرجات التعليم العام الخاص “الأهلي منه والعالمي” فضلاً عن الحكومي “القروي والمدني”، ولذلك كان مشروع “الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم العام” الذي يحتاج اليوم بعد مضي كل هذه السنوات إلى “مشروع إحياء” يبعث فيه الروح من جديد، ويعيد طرحه بنسخة معدلة تتلاءم مع معطيات وتحولات وأحداث الساعة!!، ولذات السبب ومن أجل ردم الهوة بين متطلبات الدراسة الجامعية والواقع الصعب لغالبية المتقدمين من أجل الحصول على كرسي في إحدى جامعاتنا السعودية وعلى وجه الخصوص في التخصصات التي يطلبها سوق العمل السعودي والعالمي كانت “السنة التحضيرية” التي يعتقد أصحاب القرار أنها مشروع تعليمي مؤقت حتى يتحسن حال التعليم العام بشكل كامل وبحلول جذرية وشمولية، ولذا أسندت إلى مؤسسات القطاع الخاص وما زالت وربما ستبقى على هذا الحال كثيراً!
الغريب أن هذا الركن الشديد في مسار التنمية والنهوض في أي بلد من بلاد العالم كان وما زال يعاني في بلادي الغالية من الفساد الذي تحدثت عنه في مقالي السابق وبتوسع.. فعلى الرغم من الرحلات التي سُيرت، والتجارب التي استُجلبت، والحلول التي جربت، والأفكار التي دونت، والقيادات التي تعاقبت، واللوائح التي أصدرت ودبجت، والخطب.. والكلمات.. والوعود.. والعهود.. إلا أن المنحنى بانحدار وبشكل سريع وعجيب وللأسف الشديد! ليس فقط في الجانب المعرفي العلمي بل التربوي والأخلاقي والقيمي، مع أننا غيّرنا وزارة المعارف إلى التربية والتعليم لهذا السبب على وجه الخصوص، أكثر من ذلك تم تغيير الشعار أخيراً لكي نسلك طرقاً جديدة لتحقيق أهدافنا التي نرنو الوصول إليها، إيماناً منا بقول القائل “الأفكار والشعارات القديمة تجعلك تسلك طرقاً وتنهج سبلاً لا تتلاءم ومعطيات ومتطلبات العصر”!!
لهذا وذاك فإن هناك استبشاراً كبيراً بإعلان ميلاد هيئة مستقلة لتقويم التعليم العام ترتبط برئيس مجلس الوزراء ويكون من وكدها:
- تقويم أداء المدارس الحكومية والأهلية واعتمادها، وتقويم البرامج المنفذة في مؤسسات التعليم العام “الحكومية والأهلية”.
- إعداد المعايير المهنية واختبارات الكفايات ومتطلبات برامج رخص المهنة للعاملين بالتعليم العام.
إن هذا المشروع الوطني الهام الذي اعتبره سمو وزير التربية والتعليم وفقه الله وسدد على الخير خطاه “بداية المسيرة لمستقبل أفضل، وسيكون بإذن الله الضمان الحقيقي للجودة التي ننشدها جميعاً في تعليمنا العام”، أقول إن هذا المشروع الذي ينتظره المهتمون بالشأن التربوي والتعليمي بفارغ الصبر ومنذ زمن ليس بالقصير يتطلب نجاحه في مسيرته التصحيحية وخطواته المنهجية أخذ مجموعة من الأساس والمرتكزات الهامة حين البدء برسم الإستراتيجيات ووضع الخطط التي من أهمها في نظري:
- احترام عقل الطالب والطالبة ومراعاة مشاعره.
- أخذ مهنة التربية والتعليم من قبل من هم في الميدان التربوي رسالة لا وظيفة.
- مراعاة ظرفي الزمان والمكان والحال التي نعيشها.
- منح كل طرف في العملية التعليمية حقوقه كاملة غير منقوصة قبل مطالبته بأداء واجباته المتعلقة بذمته جراء انخراطه في سلك التربية والتعليم.
- تنمية النقد الذاتي لدى الطالب، وتعزيز روح الانتماء للمجتمع التعليمي لديه، وتدريبه على مهارة الحوار البناء والهادف داخل أسوار المدرسة وخارجها.
- الانفتاح على التجارب العالمية والاستفادة من الأبحاث العلمية المتخصصة ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة بواقعنا في الميدان التربوي.
- منح الصلاحيات الإدارية والمالية للإدارات العامة للتربية والتعليم بشكل صحيح وسليم بعد ضخ الكوادر اللازمة وتطويرها سواء الإدارية أو الهندسية أو الفنية، والتخلص من البيروقراطية المقيتة التي تقف خلف كثير من التجاوزات والهنات محل الحديث اليوم.
- العمل على جعل المبنى المدرسي بيئة جاذبة وملائمة لقضاء الساعات الطويلة دون كلل أو ملل.
- تفعيل المجالس التعليمية في المناطق بشكل صحيح ومؤثر، والاعتماد عليها بعد الله في أخذ الصورة شبة الكاملة عن واقع مناطقنا التربوية.
- مد جسور التعاون مع الجامعات، خاصة كليات التربية فيها.
- تبني أندية أو جمعيات للمعلمين في المناطق التعليمية تقرب وجهات النظر وتسهل التواصل وتيسر التعارف الإيجابي بين من هم في الميدان التربوي بشكل حضاري فعال.
- التوظيف الأمثل للتقنية والتكنولوجيا دون إسراف أو تقتير.
هذا ما عنّ لي هذا المساء في هذا الموضوع الحساس والهام، وقد أعود للحديث عنه في قادم الأيام، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.