أكرم الناس وأبخلهم:

سليمان الراجحي !

ليس هناك أدنى خطأ بهذا العنوان!.

فهذا الرجل الشيخ سليمان الراجحي - بمنظور بعض الناس - بخيل، وإن كان الصحيح أن يسمى (زاهد)، إنه يقول عن نفسه: إنه - عندما يذهب للبر يلبس ثوباً قديماً ربما له ثلاثون سنة، وهو الذي لو أراد للبس ثوباً من حرير لكنه أراد ردع نفسه وإهانتها وعدم استعلائها - كما يقول - ثم هو لا يركب إلا على (السياحية) وهو الأقدر على امتلاك عشرات الطائرات، لكنه لا يرى أهمية الفرق بين الدرجتين، ولعله يصرف الفرق على أعمال الخير، وهو الذي يكتفي بأبسط الطعام حتى عندما يكون في أرقى الفنادق فهو يطبق حديث المصطفى: (حسب ابن آدم لقيمات يقمن أوده)!.

أما أنه أكرم الناس فهذا الرجل البخيل على نفسه ومصاريفه وقاه الله شحّ نفسه فمنح وتصدق بكل ثروته، ولم يعد يملك إلا بيته وملابسه وأشياءه الشخصية وعاد فقيراً كما كان، لقد تنازل عن كل ثروته البالغة (80) مليار ريال فأوقف (40) مليار ريال على أعمال الخير ، وقسّم (40) ملياراً على أولاده وهو بينهم؛ منعاً لأي اختلاف أو شقاق.. وكم هي خطوة ذكية تؤكد بُعد نظر الشيخ سليمان.

أرأيتم بعد هذا كيف أنه فعلاً أكرم الناس..!.

هذا الرجل أدرك قيمة الحياة وتفاهة المال فكانت فلسفته التنازل عنه، وهو الذي تعب على جمعه والآن أصبح ناظراً عليه بعد أن وهب ماله جميعه للجانب الذي يبقى له في الأخرى، ويشعر الآن أنه عندما يغادر الدنيا بالاطمئنان على أن ماله لن يكون سبب فرقة أهله، بل يكون سبباً في توافقهم وتواصلهم.

لكأنَّ الشيخ أخذ بنظرته للمال بقول ذلك الحكيم :

إذا جادت الدنيا عليك فجُد بها

على الناس طراً قبل أن تتفلّتِ

فلا الجود يبقيها إذا هي أقبلت

ولا هي البخل يبقيها إذا هي ولَّتِ

بقي أن أحييه على وطنيته؛ فكل أعماله التجارية تتم داخل وطنه وهي مشروعات تنموية كبرى وأكبرها يتركز في مجال (الأمن الغذائي) في مختلف مناطق المملكة، فضلاً عن تميز أعماله الخيرية بحجمها وتوفر الإمكانات فيها وانظروا جامع الراجحي بالرياض بكل ما يتوافر فيه من إمكانات حتى أضحى جامعاً أنموذجياً، وقس عليه أعماله الخيرية الأخرى، ولكي أدخل الفرح على قلب هذا المحسن الكبير روى لي الصديق أ/ منصور الخضيري أنه كان في جامع الراجحي بالرياض في عز الظهيرة قبل عدة أيام، ورأى رجلاً يشرب ماء من إحدى البرادات بالجامع ولما فرغ سمعه يدعو: (الله يجعل الراجحي يشرب من حوض الرسول) اللهم استجب دعاءه.

أخيراً.. أختم هذا المقال بما يتصف به الشيخ سليمان من روح دعابة فضلاً عن البساطة والتواضع اللتين يتمتع بهما فقد سئل مرة في لقاء صحفي : متى تنام يا شيخ سليمان ؟ فقال : أنا مربي دجاج ولذا أنام الساعة 8 مع الدجاج.

معذرة - يا أبا صالح - على هذا المقال فقد لا ترضى عنه لما عُرف عنك من زهد بالثناء تماماً كزهدك في مظاهر الحياة، ولكني أردت أن تكون قدوة لغيرك من أولئك الذين لا يعرفون للخير سبيلاً في الدنيا وممن كانت أموالهم وبالاً عليهم وعلى أولادهم بعد رحيلهم إلى الأخرى، متعك الله يا شيخ سليمان بالصحة وطول العمر، فأنت أنموذج للثري الذي آمن أن الثروة إنما هي رقم بالبنك إذا لم يتم زرعها خيراً ونماء في الدنيا وعملاً صالحاً للأخرى.

2

وللدوائر الحكومية في الأحوال المدنية قدوة

ظاهرة جميلة وملفتة للنظر تلك هي أن أكثر الأجهزة سرية وأمنية هي أسرع وأكثر الجهات التي توجهت للتقنية الحديثة في تقديم وتسهيل خدماتها لكافة الشرائح التي تتعامل معها وتلك هي أجهزة وزارة الداخلية من أحوال ومرور وجوازات.

فوكالة الأحوال المدنية ومكاتبها - مثلاً رغم دقة عملها - أصبحت قدوة في هذه الخدمات الإلكترونية فضلاً عن تطوير فروعها ومكاتبها سواء الجديدة منها التي عندما تدخلها كأنك تدخل أحد مكاتب الشركات التجارية، أو إداراتها القديمة التي تم تطويرها وتجديدها بشكل موفق، وقد قدر لي أن أزور مكتب الأحوال المدنية الجديد في رويال مول بالرياض، ولم أكد أصدق أنني في دائرة حكومية تنظيماً وحداثة وجمالاً، والأبهى سرعة الإنجاز وحسن التعامل من الكفاءات السعودية التي تدير العمل، ثم بعدها بأيام زرت إدارة الأحوال الرئيسية بالرياض بشارع الوشم وعهدي به مبنى متهالكاً ثم تفاجأت عندما زرته ولم أعرفه بصالاته الجديدة، وتطوير مكاتبه واستخدام التقنية بأعماله فضلاً عن مرونة العمل فيه ويسر مراجعة المسؤولين فيه وفي مقدمتهم مدير الأحوال بالرياض الأستاذ الفاضل زيد التميمي.

وخطوة سبقت بها الأحوال المدنية هي : بادرتها الإنسانية المقدّرة بذهابها إلى كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة في مواقعهم لتسهيل حصولهم على (البطاقة الوطنية) وهم في منازلهم وبإجراءات نظامية مبسّطة تخفف عنهم المشقة وصعوبة التنقل.

تحية للأحوال المدنية بوكيلها العامل بصمت وإخلاص اللواء عبدالرحمن الفدا الذي أضاف إلى من سبقوه وطور ونقل (الأحوال) إلى جهاز يستحق أن يكون قدوة للأجهزة الأخرى.