مدخل
الطالب الجامعي حلم وأمل، نعم كان حلم الطلاب دائماً أثناء مراحل التعليم العام أن يصبحوا طلاباً جامعيين، يشار إليهم بالبنان، ويتميزوا في تخصصات معينة، وفي الوقت نفسه كان أهالي أولئك الطلاب يأملون في أبنائهم أن يكونوا مبدعين موهوبين، ينهلون من التخصصات العلمية قدر وسعهم، ويبذون أقرانهم ويتفوقون في تحصيلهم.
بيد أن واقعنا الحالي يصدمنا بحقيقة مؤلمة محزنة، فلم تعد الشهادة الجامعية حلماً، ولم يستطع كثير من الطلاب أن يتفوقوا في تحصيلهم، بل نشأت أفكار وتوهمات عديدة تجاه بعض التخصصات، وتجاه سوق العمل والمستقبل بعد التخرج. فكانت المأساة معدلات تحصيل متدنية، وجامعيين في وضع عطالة وبطالة، وجامعات تعج بمئات الألوف من الطلاب المستجدين.
هذا المدخل يسهل علينا الولوج إلى محاور موضوعنا (الطالب الجامعي واقع مؤلم وخيبة آمال).
محور: ظاهرة الضعف والتحصيل العلمي لدى الطلاب
أزعم أن طلاب الأمس كانوا أفضل من طلاب اليوم في مجال الحرص والصبر والجد في طلب العلم رغم محدودية الإمكانات وقلة الوسائل التقنية المساعدة. وأزعم أن طلاب اليوم أفضل من طلاب الأمس فيما هو متاح لهم من سبل طلب العلم وتوافر وسائله النظرية والتطبيقية والتقنية والمعامل والمحاضن التدريبية.
بيد أن الطالب الجامعي اليوم يحمل كثيراً من التبعات للأسف هو مسؤول عن بعضها، وفي الوقت نفسه هو غير مسؤول عن بعضها الآخر، فالمشكلة أنه طالب جامعي في النهار وموظف في المساء ولديه مسؤوليات اجتماعية أخرى، فهو رب أسرة، وأحياناً أكبر الأبناء في الأسرة وربما كان المعيل لأسرة ممتدة فأنى لهذا الطالب أن يتفوق ويتابع الجديد في تخصصه، بل إن بعض وسائل الاتصالات والمواصلات والتقنية أدت للأسف، لسوء استثمارها واستغلالها لهذا الضعف، بل ولدت لدى كثير من الطلاب سمات غير محمودة من الميوعة والتساهل والتكاسل والركون إلى ما هو متاح دون الجد والاجتهاد والصبر وتحمل المشاق وطلب المزيد والإبداع وتفجير الطاقات الكامنة.
والنتيجة المتحصلة: أن أسباباً اجتماعية وأخرى تقنية، وثالثة ذاتية في شخصية الطالب - في وجهة نظري - كانت أهم الأسباب لظاهرة الضعف في التحصيل العلمي لدى الطلاب اليوم.
وللحقيقة، فإن هذه ظاهرة وليست مسلمة، وهنا فرق كبير واسع بون شاسع، إذ كونها ظاهرة يحصرها في زمن محدد وطلاب معينين، ولا يجعلنا مسلمة لكل الأزمنة ولجميع الطلاب، وأظن أننا بتكاتف جهودنا الأسرية والمجتمعية والجامعية، يمكن أن نواجه هذه الظاهرة قبل استفحالها وانتشارها وتضخم آثارها وإفرازاتها.
محور: هل لمشكلات السكن والأعباء المالية علاقة بذلك الضعف؟!
في البدء، أٌول إن من الأسباب المعينة للطالب الجامعي على التميز والإبداع والتفوق، توافر الجو النفسي المعين، إلى جانب وجود القناعة والرغبة والإمكانات والمواهب المساعدة والجد والاجتهاد والصبر وتحمل المشاق.
ومن ثم، فإن مشكلة السكن، وما يتبعها من مشكلات الأقساط والتأثيث والمستلزمات البيتية اليومية، توقع الكثير من الطلاب في حيرة وقلق كبيرين، بل إنها لتحتل مساحة ليست قليلة من وقت الطلاب وجهدهم وتفكيرهم.
وهذا بلاشك يؤدي في نهاية المطاف إلى تشتت ذهن الطلاب وتفرق جهودهم وضياع جزء كبير من أوقاتهم، كان بالإمكان الاستفادة من ذلك كله، لو بقيت مسألة تأمين السكن الجامعي موجودة ومتوافرة لكل طالب جامعي إمكاناته وأهله وأسرته وبلدته وظروفه لا تتيح له فرصة السكن الخارجي وفتح بيت مستقل، وتحمل أعباء مالية ترهق ميزانيته الصغيرة.
محور: الخوف من المستقبل الوظيفي
في البدء أقول أنا مع من قال إن الجامعات والمعاهد مهمتها الرئيسية التخريج والتعليم والتدريب والتربية والتقويم فقط، وليس التوظيف من سلم مهامها ومسؤولياتها.
ذلك أن للتوظيف وزاراته المعنية وإداراته المتخصصة وجهاته الحكومية وسبله المعروفة، أياً كانت الشهادات وأياً كان التحصيل.
بيد أن سوق العمل في مرحلة زمنية يحتاج إلى مخرجات تخصصات معينة أكثر، وربما في مرحلة زمنية أخرى احتاج إلى مخرجات تخصصات أخرى بشكل أكثر. وهذا في نظري وضع طبيعي منطقي، للتغير والتوجه والطلب والسياسات الحكومية والإجراءات الإدارية.
وهنا تبرز مواهب الطلاب وذكاؤهم في اختيار التخصصات المناسبة، وعدم الركون إلى أي تخصص، بشرط أن تكون تقديراتهم في مرحلة التعليم العام (الثانوية وما يعادلها) تقديرات ممتاز متفوقة، وإلا سيكون مآلهم، كما هو الواقع، التخصصات المتاحة إلى الطلاب حتى ولو كانت تخصصات نظرية أو اجتماعية أو أدبية. ثم إن مسؤولية الأسرة (الوالدين) والأخوة الكبار ومن بعدهم المعلمين والمدرسين مسؤولية كبيرة في تنوير هؤلاء الطلاب وإرشادهم للتخصصات المطلوبة في سوق العمل.
ويا حبذا أن تستغل قدرات ومواهب الطلاب في فترة الإجازات أو حتى في فصول الدراسة خارج وقت الدروس في انضمام الطلاب في دورات مكثفة في اللغة الإنجليزية وعلوم الحاسوب وما شابهها. ذلك أن شهادات الخبرة، ووثائق الحصول على دورات لغوية أو حاسوبية أو إدارية قد تشكل رافداً من روافد المفاضلة والتعيين.
ويجدر التنبيه على عدم الركون والانتظار لحين الحصول على وظيفة حكومية مهما طالت الفترة الزمنية، بل ينبغي على الطالب الجامعي بعد التخرج أن يبحث عن وظيفة مؤقتة يستفيد منها ويكتسب خبرة، وعليه أن يستفيد من الدورات التدريبية المتاحة المؤهلة لاكتساب خبرة وتجربة جديدة.
محور: العلاقة المتزعزعة بين الطلاب والأساتذة
هذه قضية سلوكية أخلاقية في المقام الأول، لأن القاعدة الشرعية تنص على توقير الكبير، واحترامه، كما تنص على رحمة الصغير ورعايته.
فإذا اختل ركن من أركان هذه القاعدة اختلت القيم السلوكية الأخلاقية الضابطة والمشاهد الملاحظ اليوم أن توقير الأستاذ واحترامه لدى مجموعة كبيرة من الطلاب أصبح ضعيفاً، بل رأينا كثيراً من الطلاب يغمز ويلمز ويستهتر ويسخر من أساتذته.
وفي المقابل، فإن بعض الأساتذة لا يحترم هذه القاعدة السلوكية الأخلاقية إذ نجد بعضاً من الأساتذة يستغلون ضعف الطلاب فيمارسون نوعاً من السلطوية وفرض سياسة الأمر الواقع والإلزام بما هو مشروح أو مقروء أو مكتوب دون مناقشة أو حوار أو أسئلة.
فأصبح هؤلاء الأساتذة في أعلى الهرم وأولئك الطلاب في قاعة من ثم كانت الشقة كبيرة والهوة واسعة بينهم، فأنى للاحترام والتوقير والرحمة والرعاية والعطف أن تتحقق.
وبهذه المناسبة فإني أدعو أبنائي الطلاب أن يكون لهم في سلفنا الصالح القدوة، من حيث آداب وسلوكيات طالب العلم وأولها التأدب مع الأستاذ وتوقيره واحترامه وإجلاله والاستفادة من علمه والحرص على محاضراته ومحاورته بأدب جم.
ويا زملائي الأفاضل الأساتذة أرغب منكم أن تروا في هؤلاء الطلبة المعاناة والمشقة والتعب، والغربة، والمغريات، والشهوات فتكونوا لهم آباء مشفقين وأساتذة مخلصين ومربين قدوة، أفيضوا عليهم من العلم والتربية والأدب من فيوضاتكم، وساعدوهم على الإبداع والتألق، ودربوهم على محاسن الآداب وفضائل الأخلاق، وأرشدوهم إلى خصال الخير، وحذروهم من طرق الغواية والشر، وأبينوا لهم الطريق المستقيم، الذي لا عوج فيه، واجعلوا العلاقة بينكم وبينهم علاقة متينة أسسها: الاحترام والتقدير والشفقة والرحمة، والتواد المشترك، والتعاون المثمر من أجل مستقبل تعليمي تربوي أنصع.
خاتمة
في الختام أقدم لإخواني القراء وأبنائي الطلاب وزملائي الأساتذة بعض النتائج والنصائح:
1- إن العالم - اليوم - يتجدد ويتبدل من حول الأستاذ والمعلم وعلينا ألا نتخلف عن الركب.
2- إن دور ومهمة الجامعة كبير في مجال المهنة التربوية والتعليمية والتنشئة والرعاية والتوجيه، فهي قطب الرحى في التربية.
3- لقد فشلت المؤسسة التعليمية في تغليب التطبع على الطبع. فبقي الطبع إلى حد ما تربة تنتظر محراثاً.
4- نتيجة طمس سلطة المعلم الأستاذ التربوية والتعليمية، باتت الجامعة ومحاضن العلم أشبه بمقبرة كبيرة تدفن فيها أجيال المستقبل.
5- إن القرن الحادي والعشرين، بما هو مقدمة الألف الثالثة الميلادية مدعو من المنظور الإنساني لأن يقف من المصير البشري وقفة تأمل ومحاسبة، لكي يستطيع البشر أن يظلوا أسياد أنفسهم ومصيرهم دون تقليد أو تبعية، وفي موقع الريادة. وقد آن الأوان.
- المستشار وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية